شرح حديث: من سمع سمع الله به
عن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سمَّع سمَّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به))؛ متفق عليه[1].
يتعلق بهذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: يجب على المسلم أن يقصد بجميع أعماله وجهَ الله تعالى والدار الآخرة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البينة: 5]، وقال: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، والمراءاة بالعمل حرامٌ، وقد دل الحديث على عقوبة المرائي يوم القيامة - إن لم يتُبْ من الرياء - وذلك أن الله تعالى يعامل المرائي بجنس ما عمله في الدنيا، فيفضحه يوم القيامة على رؤوس الخلائق، فيريه ثواب أعماله، ثم يحرمه منه والناس يرون، وهذا جارٍ على قاعدة: (الجزاء من جنس العمل).
الفائدة الثانية: الرياء لون من ألوان الكذب، وهو نوعٌ من الشرك الأصغر، وإذا دخل على العمل أفسده؛ وذلك أن العمل لا يقبله الله تعالى إلا بشرطين؛ أولهما: الإخلاص لله تعالى، والثاني: موافقة شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، فالواجب على كل مسلم الحذر من الرياء ابتداءً، ومجاهدة النفس في تجنبه إذا طرأ على العمل، وفي الحديث القدسي: ((قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمِل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركتُه وشِرْكَه))؛ رواه مسلم[2].
الفائدة الثالثة: لا ينبغي ترك الأعمال الصالحة خوفًا من الرياء؛ وذلك لأن المسلم إنما يعمل ابتغاء مرضاة الله تعالى، وكثيرٌ من الأعمال قد يكون بمرأى من الناس، فيأتي الشيطان إلى المسلم ليثبطه عن الأعمال الصالحة، فيوهمه أنه يرائي الآخرين، فإذا حصل هذا فليدفعه المسلم عنه، وليتعوَّذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا يترك العمل، وهكذا إذا عرَض له الشيطان في أثناء العمل ليثبطه عنه، فلا يلتفت إليه، وليدفعه ما استطاع، ويتم عمله الصالح، قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: ما من أحد عمل عملًا إلا سار في قلبه سورتان، فإذا كانت الأولى منهما لله فلا تُهِيدنَّه الآخرة[3]، قال ابن الأثير رحمه الله تعالى: المعنى: إذا أراد فعلًا وصحت نيته فيه فوسوس له الشيطان فقال: إنك تريد بهذا الرياء، فلا يمنعه ذلك عن فعله؛ اهـ[4]، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ومن كان له وِردٌ مشروعٌ من صلاة الضحى أو قيام ليل أو غير ذلك، فإنه يصليه حيث كان، ولا ينبغي له أن يدَع ورده المشروع لأجل كونه بين الناس - إذا علم الله من قلبه أنه يفعله سرًّا لله - مع اجتهاده في سلامته من الرياء ومفسدات الإخلاص...ومن نهى عن أمر مشروع بمجرد زعمه أن ذلك رياءٌ فنهيه مردود عليه...والأعمال المشروعة لا يُنهى عنها خوفًا من الرياء، بل يؤمر بها، وبالإخلاص فيها؛ اهـ[5].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|