أسماء بنت عمرو الأنصارية ثاني نساء العقبة الثانية
لقد وقفت الصحابيات الجليلات جنبًا إلى جنب مع الصحابة الكرام في بناء صرح الإسلام العظيم، فكن َّ خيرَ بنَّاءات في خير جيل عرفه التاريخ الإنساني، فنِلْنَ بذلك منزلة رفيعة في الدنيا والآخرة، وقد سطرت كل واحدة منهنَّ صفحات من صفحات العزة والكرامة والتضحية والإباء في سبيل خدمة دينهن وإرضاء ربهن، فكنَّ سُرُجًا منيرة لنساء العالمين، تقتفي أثرهنَّ كل اللواتي يسعين للفوز بالدارين.
واليوم نحاول أن نقتفي أثر صحابية جليلة تربَّت في مدرسة النبوة وعلى مائدة القرآن، وهي الصحابية الجليلة: أسماء بنت عمرو بن عدي رضي الله عنها وأرضاها.
اسمها ونسبها وكنيتها:
هي الصحابية الجليلة أسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي بن سواد بن غنم بن كعب الأنصارية، إحدى نساء بني سَلَمَة، أسلمت حين تنفَّس صبحُ الإسلام بالمدينة المنورة قبل بيعة العقبة الثانية، وجاءت مع وفد البيعة، وكانت من أتمِّ القوم عقلاً وأرجحهم رأيًا، وهي ثاني نساء العقبة الثانية مع الصحابية الجليلة أم عُمارة نَسِيبةَ بنتِ كعب المازنية، ولم يشهدها من النساء غيرهما، وأمُّها أروى بنت مالك بن خنساء بن سنان بن عبيد من بني سلمة، وتعرف السيدة أسماء بأم منيع، ويقال: أم شباث، تزوجها أبو شباث خديج بن سلامة بن أوس بن عمرو بن كعب بن القراقر بن الضحيان حليف بني حرام فولدت شباثًا ليلة العقبة، وشهدت العقبة مع زوجها خديج، وهي ابنةُ عمة معاذ بن جبل رضي الله عنه[1].
مشاهد من تضحيتها:
تعد السيدة أسماء رضي الله عنها مثالاً تحتذي به النساء المسلمات اللواتي يبذلن الغالي والنفيس طلبًا لرضوان الله تعالى، فانظر إلى حالها في بيعة العقبة الثانية وهي حامل في شهرها التاسع، مع ملاحظة ما تلاقيه المرأة الحامل من تعب ومشقة في شهرها الأخير، فكيف بها وهي قادمة من المدينة المنورة قاصدةً مكةَ المكرمة التي يُحْكِمُ المشركون قبضتَهم عليها، ويذيقون المسلمين فيها شتَّى أنواع العذاب؛ لصدِّهم عن دينهم، وردِّهم إلى عبادة الأصنام؟!
ففي هذا الوقت العصيب عليها من كل ناحية، تخرج السيدة أسماء مع زوجها خديج متحدية المشاق والمخاوف، وكل همِّها أن تلتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تقدم الولاء والطاعة لله تعالى، فكان جزاؤها من جنس عملها، فقد خُلِّدَ ذكرُها مع الخالدين إلى جانب الصحابية الجليلة أم عُمارة نسيبة بنت كعب المازنية رضي الله عنها، فكانتا مع الذين نذروا أنفسهم وأموالهم لحماية رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الثانية ليُبلِّغَ دعوة ربه للناس كافَّة، بعد أن بذل قومه الغالي والنفيس لصدِّه عنها، فقد حازت أسماء على رتبة (عقبيَّة) كما ذكرت كتب السير والتراجم إشارة إلى حضورها بيعة العقبة، والتي شكّلت نقطة تحول في طريق الدعوة إلى الله تعالى، فكانت أسماء من المُمَهِّدات للهجرة، فقد أذنَ الله بعد هذه البيعة للمسلمين بالهجرة إلى المدينة المنورة[2].
ولم تكتفِ السيدة أسماء بمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم في العقبة الثانية، وإنما شاركته في جهاده ضد أعدائه، فقد خرجت مع عشرين من نساء المسلمين للجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر في السنة السابعة للهجرة[3]، فكن يداوين الجراح، ويسقين المجاهدين، ويشجعن المقاتلين، فعدْنَ يحملن شرف النصر المبين على يهود خيبر، فحازت السيدة أسماء على رتبة أخرى وهي رتبة المجاهدة في سبيل الله، وأنْعِم بها رتبة!
فهي صحابية أنصارية عقبية مجاهدة، فأكرمْ بها من امرأة صالحة!
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|