سيد الناس يوم القيامة
بيَّن لنا القرآن الكريم مكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنزلته عند الله سبحانه، فذكَره اللهُ سبحانه باسمه صلى الله عليه وسلم فقال: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144].
وقال جل شأنه: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 40].
وخص الله سبحانه نبيه عليه الصلاة والسلام بسورة من سورة القرآن، وهي سورة محمد عليه الصلاة والسلام، وقال تعالى في أولها: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ﴾ [محمد: 2].
وقال سبحانه: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29].
وبالجملة، مزايا وفضائل وخصائص وشمائل رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرةٌ جدًّا، ومن هذه الخصائص - وهو ما نريد تِبيانه في هذا المقال - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما بيَّن هو عليه الصلاة والسلام - سيِّد الناس يوم القيامة.
ولنتأمل في هذه الرواية:
جاء في صحيح البخاري:
حدَّثنا محمد بن مقاتل، أخبرنا عبدالله، أخبرنا أبو حيان التيمي، عن أبي زُرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتيَ بلَحم فرُفع إليه الذراع، وكانت تُعجِبُه، فنهش منها نهشةً، ثم قال: ((أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون ممَّ ذلك؟ يجمع الله الناس الأوَّلين والآخِرين في صعيد واحد، يُسمِعهم الداعي ويَنفُذهم البصر، وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يُطيقون ولا يَحتملون، فيقول الناس: ألا ترون ما قد بلغكم، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: عليكم بآدم، فيأتون آدم عليه السلام فيقولون له: أنتَ أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمَر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه، ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إنَّ ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد نهاني عن الشجرة فعصيتُه، نَفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح، إنك أنت أوَّل الرسلِ إلى أهل الأرض، وقد سمَّاك الله عبدًا شكورًا، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إنَّ ربي عزَّ وجلَّ قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوة دعوتُها على قومي، نفسي نفسي نفسي، اذهَبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيمُ، أنتَ نبيُّ الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربِّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقولُ لهم: إنَّ ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضبَ بعدَه مِثلَه، وإني قد كنتُ كذَبتُ ثلاث كذبات - فذكرهنَّ أبو حيان في الحديث - نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى فيقولون: يا موسى، أنت رسول الله، فضَّلَك الله برسالته وبكلامه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إنَّ ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفسًا لم أُومر بقتلها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى ابن مريم، فيأتون عيسى، فيقولون: يا عيسى، أنت رسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وكلَّمت الناس في المهد صبيًّا، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله قط، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر ذنبًا، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد، فيأتون محمدًا فيقولون: يا محمدُ، أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبِكَ وما تأخَّر، اشفع لنا إلى ربِّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فأنطلِقُ فآتي تحت العرش، فأقع ساجدًا لربي عزَّ وجلَّ، ثمَّ يفتح الله عليَّ من مَحامِدِه وحسْنِ الثناء عليه شيئًا لم يفتحه على أحد قبلي، ثمَّ يُقال: يا مُحمَّد، ارفع رأسك، سلْ تُعطَه، واشفع تُشفَّع، فأرفع رأسي، فأقول: أمتي يا رب، أمتي يا رب، أمتي يا رب، فيقال: يا محمَّد، أدخِلْ مِن أمَّتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، ثم قال: والذي نفسي بيده، إنَّ ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحِمْيَر - أو كما بين مكة وبُصرى))[1].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|