غزوة الحديبية
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه أنه وأصحابه يدخلون المسجد الحرام مُعتمِرين، ورؤيا الأنبياء حقٌّ، فشرع في الاستعداد إلى العمرة، واستنفر مَن حوله من الأعراب ليخرجوا معه معتمرين؛ كي تعلم قريش أنه لا يريد حربًا، واستجاب له بعضُ الأعراب، في حين أبطأ عنه الكثيرون.
وفي يوم الاثنين مستهل ذي القعدة من السنة السادسة من الهجرة، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف وأربعمائة من أصحابه قاصِدين مكة للعمرة، وقد حملوا معهم سلاحًا خفيفًا تحسُّبًا لوقوع شرٍّ من قريش.
وعندما سمعتْ قريش بخروج النبي صلى الله عليه وسلم، قرَّرت صدَّ المسلمين عن البيت بأي شكل.
وذهب خالد بن الوليد في مائتي فارس ورابَطَ بكراع الغميم في الطريق الرئيس لمكة، محاولاً صد المسلمين عن محاولة سيرهم إلى مكة.
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم غيَّر طريقه تجنُّبًا للقتال مع جيش خالد.
ولما اقترب الرسول صلى الله عليه وسلم من الحديبيَة، بركت ناقته القصواء بأمر من الله- عز وجل - ثم زجَرها فوثبت به، فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد (أي: بئر) قليل الماء، فشكى الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش، فانتزَع سهمًا من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فما زال يَجيش بالري لهم حتى صدروا[2].
وقد دخل الرسول صلى الله عليه وسلم في مُفاوَضات من خلال وسطاء مُحايدين، أو من خلال تَبادُل الرسُل.
فبعثت قريش مِكْرز بن حفص، والعليس بن علقمة، وعروة بن مسعود، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم حراش بن أمية الخزاعي، ثم أرسل بعده عثمان بن عفان، فاحتبسته قريش حتى يُبرموا أمرهم ويُقرِّروا ما سيفعلونه بشكل نهائي، فهم عازمون على صدِّ النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه عن البيت، والرسول يؤكد لهم أنه لم يأتِ لقتال، وتخشى قريش أن تسوء سمعتُها ويُعرَف عنها بين العرب أنها تصدُّ الناسَ عن البيت وقد جاؤوا مُعتَمِرين.
وطال احتباسُهم لعثمان حتى أشيع أنه قد قُتِل، وعندها دعا الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى بيعته على الصبر وعدم الفرار حتى الموت فبايَعوه جميعًا، سوى المنافق: الجد بن قيس.
وعندما تأزَّم الموقفُ سارعت قريش بإرسال سُهَيل بن عمرو لعَقْد صلح، وأكَّدت له ألا يكون يمضي في الصلح إلا أن يرجع الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا العام.
وبعد مفاوضات اتفَقا على الصلح على القواعد التالية:
1- أن يرجع الرسول صلى الله عليه وسلم من عامه، على أن يأتي في العام القادم فيدخل مكة ويقيم بها ثلاثًا.
2- وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين.
3- مَن أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من غير إذنِ وليِّه من قريش ردَّه عليهم، ومن جاء من المسلمين إلى قريش لم يُرَدَّ عليه.
4- من أحبَّ أن يدخل في حِلْف مع أي من الفريقين دخل فيه، وتعتبر القبيلة التي تنضم لأي فريق جزءًا منه، وأي اعتداء عليها يعتبر عدوانًا على هذا الفريق[3].
فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد محمد وعهدِه، وتواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم، وكُتِب الصلح، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحر هديه ونحر الصحابةُ هديهم، وتحلَّلوا من العمرة وحلَقوا شعورهم.
ثم آبوا إلى المدينة راضين بما تَمَّ من صُلْح مع قريش، كانت فيه فوائد جَمَّة، وما كان ظاهره غير ذلك؛ فقد ظهر بعدها أن فيه نَفْعًا عظيمًا بتقدير الله - عز وجل - وتدبيره[4].
وبذلك تَمَّت حلقة أخرى من حلقات الصراع بين عباد الله المؤمنين وصناديد قريش من الكفار والمشركين.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|