حدث في السنة الحادية عشرة من الهجرة (4)
12- وفي يوم وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بايع المسلمون أبا بكر - رضي الله عنه - بالخلافة.
الشرح:
ووقع الخلاف في أمر الخلافة قبل أن يقوموا بتجهيزه - صلى الله عليه وسلم -، فجرت مناقشات ومجادلات وحوار وردود بين المهاجرين والأنصار في سَقِيفة بني ساعدة، وأخيرًا اتفقوا على خلافة أبي بكر - رضي الله عنه -، ومضى في ذلك بقية يوم الاثنين حتى دخل الليل، وشغل الناس عن جهاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان آخر الليل - ليلة الثلاثاء - مع الصبح، وبقى جسده المبارك على فراشه مغشي بثوب حِبَرَة، قد أغلق دونه الباب أهله[1].
وَاجْتَمَعَتْ الْأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بن عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بني سَاعِدَةَ، فَقَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أبو بَكْرٍ وَعُمَرُ بن الْخَطَّابِ وَأبو عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ، فَأَسْكَتَهُ أبو بَكْرٍ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلَامًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أبو بَكْرٍ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أبو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ، فَقَالَ فِي كَلَامِهِ: نَحْنُ الْأُمَرَاءُ، وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ، فَقَالَ حُبَابُ بن الْمُنْذِرِ: لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: لَا، وَلَكِنَّا الْأُمَرَاءُ، وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا، فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ، فَأَنْتَ سَيِّدُنَا، وَخَيْرُنَا، وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ، فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بن عُبَادَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: قَتَلَهُ الله[2].
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: ولما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر. فقام عمر قبل أبي بكر فتكلم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله. ثم قال:
أيها الناس إني قد قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت مما وجدتها في كتاب الله، ولا كانت عهدا عَهِده إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكني قد كنت أرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيدبر أمرنا - يقول: يكون آخرنا - وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى الله رسولَه - صلى الله عليه وسلم -، فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هدى له رسوله، إن الله قد جمعكم على خيركم - صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثاني اثنين إذ هما في الغار- فقوموا فبايعوه.
فبايع الناس أبا بكر البيعة العامة بعد بيعة السقيفة.
فتكلم أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله، ثم قال: أما بعد أيها الناس، فإني قد ولُيت عليكم، ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي، حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله؛ فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله[3].
13- وفي يوم الثلاثاء الثالث عشر من ربيع الأول من هذه السنة دفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الشرح:
عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - اخْتَلَفُوا فِي اللَّحْدِ وَالشَّقِّ، حَتَّى تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ. فَقَالَ عُمَرُ: لَا تَصْخَبُوا عِنْدَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حَيًّا وَلَا مَيِّتًا - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا. فَأَرْسَلُوا إِلَى الشَّقَّاقِ وَاللَّاحِدِ، فَجَاءَ اللَّاحِدُ، فَلَحَدَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ دُفِنَ - صلى الله عليه وسلم - [4].
وعن سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه - قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي هَلَكَ فِيهِ: الْحَدُوا لِي لَحْدًا، وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا، كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - [5].
أين دُفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا مَا نَسِيتُهُ، قَالَ: "مَا قَبَضَ الله نَبِيًّا إِلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ"، ادْفِنُوهُ فِي مَوْضِعِ فِرَاشِهِ[6].
متى دُفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: تُوُفِّيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ[7].
وعَنْ عبد الله بن عَبَّاس - رضي الله عنهما - قَالَ: جُعِلَ فِي قَبْرِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ[8].
وفي رواية للترمذي: الَّذِي أَلْحَدَ قَبْرَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أبو طَلْحَةَ، وَالَّذِي أَلْقَى الْقَطِيفَةَ تَحْتَهُ شُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ جَعْفَرٌ: وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ الله بن أبي رَافِعٍ، قَال: سَمِعْتُ شُقْرَانَ يَقُولُ: أَنَا وَاللَّهِ طَرَحْتُ الْقَطِيفَةَ تَحْتَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي الْقَبْرِ[9].
من الذي تولى دفن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: دخل قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العباس وعلي والفضل، وشق لحده رجل من الأنصار، وهو الذي يشق لحود قبور الشهداء[10].
وعن علي بن أبي طالب قال: غسلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذهبت أنظر ما يكون من الميت، فلم أر شيئًا، وكان طيبًا - صلى الله عليه وسلم - حيًا وميتًا، ولي دفنه وإجنانه دون الناس أربعة: علي، والعباس، والفضل، وصالح مولى رسول الله، ولُحد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحدًا، ونُصب عليه اللَّبِنُ نصبًا[11].
14- وبعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بستة أشهر: تُوفِّيت ابنته فاطمة - رضي الله عنها -، وهي آخر أبنائه موتًا.
الشرح:
قال ابن عبد البر - رحمه الله -:
وقال الواقدي: حدثنا معمر عن الزهري، عن عروة عن عائشة، قال: أخبرنا ابن جريج عن الزهري عن عروة: أن فاطمة تُوفِّيت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بستة أشهر[12].
15- بُعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن أربعين سنة، فمكث في مكة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة عشر سنين، ثم قبضه الله إليه وقد تم له ثلاث وستون سنة - صلى الله عليه وسلم - صلاة دائمة ما دامت السماوات والأرض.
الشرح:
عَنْ عبد الله بن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لِأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكُثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُوحَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ[13].
(الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية في ترتيب أحداث السيرة النبوية)
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|