وسائل قريش في محاربة الدعوة الإسلامية (2)
الاعتداء على المسلمين وخروجهم من مكة:
على الرغم مما بذله كفار قريش لصدّ الناس عن دين الحق، فإن ذلك لم يفُتّ في عضد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته، بل صبروا على إيذاء قومهم، وازدادوا تمسكًا بدينهم، فلجأت قريش إلى الاعتداء والإيذاء الجسدي، وامتدت أيديهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشتى أنواع الأذى، خاصة بعد وفاة عمه أبي طالب[1]، الذي كان يدافع عنه ويحوطه، فنالت قريش منه ما لم تكن تطمع به في حياة عمه [2]، وزاد الأذى حينما أظهر شعائر الإسلام وصلى عند الكعبة، ومن ذلك ما رواه الإمام البخاري[3] رحمه الله: أن ( عقبة بن أبي معيط[4] جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي، فوضع رداءه في عنقه، فخنقه به خنقا شديدًا، فجاء أبو بكر[5] رضي الله عنه حتى دفعه عنه - صلى الله عليه وسلم -. فقال: أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم). [6] وكذلك وضعهم سلا الجزور على ظهره وهو يصلي[7].
وتوجه المشركون إلى المؤمنين به - صلى الله عليه وسلم -، فعدت كل قبيلة على من أسلم منهم وتابَعَ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم -، فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب وبالجوع وبالعطش، ليفتنوهم عن دينهم فمنهم من افتتن من شدة البلاء الذي يصيبه، ومنهم من صلُب لهم وعصمه الله منهم[8].
قال ابن مسعود[9] رضي الله عنه: (كان أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر، وعمار[10]، وأمه سمية[11]، وصهيب[12]، وبلال[13]، والمقداد[14]. فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنعه الله بعمه أبي طالب. وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه. وأما سائرهم، فأخذهم المشركون وألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس. فما منهم من أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا[15]، إلا بلالا، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأخذوه فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحدٌ، أحدٌ)[16].
وهذه هي ملامح المعركة بين الحق والباطل، فالطواغيت يتوجهون أولا إلى الداعية ليكف عن دعوته، فإذا استعصم بإيمانه وثقته بربه، واستمسك بأمانة التبليغ وتبعته، تحولوا إلى الذين اتبعوه يفتنونهم عن دينهم، بالوعيد والتهديد ثم بالبطش والعذاب[17].
وخرج المسلمون من مكة، وهاجروا إلى الحبشة ثم هاجروا إلى المدينة، مضحين بأموالهم وأهليهم، وذلك لما اشتد عليهم الأذى والبلاء، وخافوا الفتنة. وفي هذا تقول أم المؤمنين عائشة[18] رضي الله عنها، لما سُئلت عن الهجرة: كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلى الله تعالى، وإلى رسوله، مخافة أن يفتن عليه...)[19].
وقد كان إقدام المسلمين على الهجرة، وخوض غمار المخاطر في سبيل الله،- وقد تخلوا عن أموالهم وأوطانهم وأهليهم، مع استمرارهم في عداوة وقطيعة شديدتين مع قومهم - كان ذلك عملًا عظيمًا منهم، أثنى عليهم الله تعالى بقوله: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [20].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|