شرح حديث: لكل نبي دعوة يدعوها
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُوهَا. فَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأِمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
ولمسلم في رواية: "فَهِيَ نَائِلَةٌ، إِنْ شَاءَ الله، مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِالله شَيْئاً".
وبنحو هذا الحديث في الصحيحين عن أنس، ولمسلم بنحوه عن جابر بن عبدالله.
ترجمة راوي الحديث:
أبو هريرة، تقدمت ترجمته في الحديث الأول من كتاب الإيمان.
تخريج الحديث:
• حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه مسلم حديث " 198"، وأخرجه البخاري في " كتاب الدعوات " " باب لكل نبي دعوة مستجابة" حديث " 6304"، وأخرجه الترمذي في " كتاب الدعوات " " باب فضل لا حول ولا قوة إلا بالله " حديث " 3602"، وأخرجه ابن ماجة في " كتاب الزهد " " باب ذكر الشفاعة " حديث "4307 "
• وأما حديث أنس رضي الله عنه فأخرجه مسلم حديث " 200 "، وأخرجه البخاري في الكتاب والباب نفسه حديث " 6305 "،
• وأما حديث جابر رضي الله عنه فأخرجه مسلم حديث " 201 " وانفرد به عن البخاري.
شرح ألفاظ الحديث:
• " مستجابة ": أي مجابة والسين زائدة.
• " نَائِلَةٌ ": من نال الشيء إذا ظفر به وحصل عليه.
• " إِنْ شَاءَ الله ":دخول الاستثناء هنا كدخوله في قوله تعالى: ﴿ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ﴾ [الفتح: 27].
قال النووي رحمه الله:" قوله صلى الله عليه وسلم " إِنْ شَاءَ الله "هو على جهة التبرك والامتثال؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا ﴾ [الكهف: 23]" [شرح مسلم (3 / 70]
من فوائد الحديث:
• الفائدة الأولى: في الحديث دلالة على فضل الله تعالى على الأنبياء بإجابة الدعاء، لدعوة يدعوها.
فإن قيل: أليس الأنبياء مجابي الدعوة، وقد أجيبت كثير من دعواتهم لاسيما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟
فالجواب: قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:" وقد استشكل ظاهر الحديث بما وقع لكثير من الأنبياء من الدعوات المجابة، ولاسيما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وظاهره أن لكل نبي دعوة مستجابة فقط:
والجواب: أن المراد بالإجابة في الدعوة المذكورة القطع بها، وما عدا ذلك من دعواتهم فهو على رجاء الإجابة.
وقيل: معنى قوله صلى الله عليه وسلم" لِكُلِّ نَبِيَ دَعْوَةٌ "أي أفضل دعواته، ولهم دعوات أخرى.
وقيل: لكل منهم دعوة عامة مستجابة في أمته إما بإهلاكهم، وإما بنجاتهم، وأما الدعوات الخاصة فمنها ما يستجاب ومنها مالا يستجاب.
وقيل: لكل منهم دعوة تخصه لدنيا أو لنفسه كقول نوح عليه السلام ﴿ وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ﴾ [نوح: 26]، وقول زكريا ﴿ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ﴾ [مريم: 5]، وقول سليمان ﴿ وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [ص: 35].
والأولى أن يقال إن الله جعل لكل نبي دعوة تستجاب في حق أمته، فنالها كل منهم في الدنيا، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه لما دعا على بعض أمته نزل عليه صلى الله عليه وسلم ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [آل عمران: 128]، فبقيت تلك الدعوة المستجابة مدخرة للآخرة، وغالب من دعا عليهم لم يرد إهلاكهم وإنما أراد ردعهم ليتوبوا " [الفتح (22 / 277)].
• الفائدة الثانية: في الحديث بيان كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، ورأفته بهم، واعتنائه بالنظر في مصالحهم المهمة، فأخَّر صلى الله عليه وسلم دعوته لأمته إلى أهم أوقات حاجتهم. [قاله النووي في شرحه لمسلم (3 / 70)].
• الفائدة الثالثة: الحديث دليل على إثبات الشفاعة وتقدم قريباً الكلام عليها... وفيه إثبات الشفاعة لأهل الكبائر من هذه الأمة.
• الفائدة الرابعة: الحديث ردّ على الخوارج الذين ينكرون الشفاعة لأهل الكبائر لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" فَهِيَ نَائِلَةٌ، إِنْ شَاءَ الله، مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِالله شَيْئاً "وفي هذا فضيلة التوحيد وأن صاحبها لا يخلد في النار ولو كان مصراً على الكبائر.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|