وفاة الرسول الكريم في شهر ربيع الأول
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فيا أيها المسلمون، اتقوا الله، واستعدوا للقائه؛ فإن العمر مهما طال قصير، والأجل محتوم على الكبير والصغير، والموت حق، وكل نفس ذائقة الموت، الموت مكتوب على كل أحد، فمهما عظم مالُك فمصيرك أن تموت، ومهما عظم جاهك، ومهما عظم علمك، ومهما كثر أتباعك وأحبابك، فالموت مصيرك، ولنا برسولنا الأكرم عليه الصلاة والسلام أكبر عبرة، وأعظم موعظة؛ فهو سيد ولد آدم، الذي رفع الله قدره وذكره، وأعلى شأنه ومنزلته، قد مات، وفارق الدنيا بأبي هو وأمي؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴾ [الأنبياء: 34]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ﴾ [آل عمران: 144]، فلم يخلص من الموت أحدٌ قط، ولا نجا منه أكرم الناس، عليه الصلاة والسلام.
عباد الله، في شهر ربيع الأول يجتمع ثلاثة أحداث عِظام، لها وقعها وأثرها في الأمة الإسلامية، بل في العالم أجمع، ففي مثل هذا الشهر وُلد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهاجر إلى المدينة، وتُوفِّي بأبي هو وأمي، ولا ريب أن هذه الأحداث مهمة في حياة المسلم، بل في حياة الثَّقَلَيْنِ إنسًا وجِنًّا، تُوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول في الحادي عشر من الهجرة المباركة، وقد كان عمره ثلاثًا وستين سنة - في أصح أقوال العلماء وأشهرها - كما جاء في البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين))، وصح مثله عن ابن عباس رضي الله عنهما في صحيح البخاري.
فكانت وفاته عليه الصلاة والسلام مصيبة عظيمة تحل بالمسلمين، فإن كان الموت قد سماه الله مصيبة في القرآن؛ ﴿ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ﴾ [المائدة: 106]، فكيف بسيد البشر؟
لا شك بأنها أكبر المصائب في تاريخ الأمة، وأشد فاجعة هزت الدنيا، والله، لشدتها وهولها تبكي السماء والأرض، وتدمع لها عيون الصالحين، والمحبين المتبعين، حنَّ الجذع بعده إليه، وبكت السارية شوقًا وحنينًا له.
كيف لا تكون مصيبة؟!
فبموته - بأبي هو وأمي - فقدت البشرية مَن جعله الله للعالمين نورًا وبشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فقدت الأمة خير الورى، من يدعوهم إلى الخير والهدى، ما من شرٍّ علِمه إلا بيَّنه وحذَّر منه، وما من خير إلا ودلَّ عليه وأرشد إليه ورغَّب فيه، فقدت البشرية بموت محمد بن عبدالله إمامًا عادلًا، وأبًا مشفقًا، ونبيًّا مرسلًا، وعبدًا صالحًا، فقدت من جاءنا بالبينات والهدى، فقدت البشرية من جعله الله سببًا في إنقاذ الناس من جاهلية جهلاء وضلالة وعماء، فقد كانوا قبل بعثته المباركة لا يعرفون حقًّا ولا هدًى، مقاييسهم مختلفة، وموازينهم مضطربة، ومفاهيمهم منعكسة، وفطرهم منتكسة، وأوضاعهم متقلبة، ومجتمعاتهم متفرقة، كانوا في ظلم وبغيٍ، تتلاعب بهم أهواؤهم، وعلى شرك ووثنية، فعندما أذِن الله ببعثته انبثق فجر الحق، وشعَّ نور الهدى، فعزَّ الناس بعد ذلة، وهُدوا بعد ضلالة، واجتمعوا بعد فرقة وغواية.
فكم هي مناقبه! وكم هي آثاره وفضائله!
فيا لله ما أعظمه وأكرمه وأحلمه وأشفقه! زكَّاه الله في كتابه؛ في خلقه فقال: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، وزكَّاه في دعوته وسيرته: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، رفع ذكره في العالمين، وجعل لمن سار على سبيله حظٌّ من الظهور والرفعة، حتى تقوم الساعة، ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 4]، وقطع الخير والبركة عن شانئه، وجعل الأذل والأقل من أبغضه وعاداه: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر: 3]، بموت الرسول الكريم والنبي الأمي الأمين انقطع وحي رب العالمين، ففي يوم وليلة انقطع الوحي من السماء إلى الأرض، وأقفلت الرسالات، وختم الله به الأنبياء، فلا نبي بعد محمد بن عبدالله، سيد البشر، وإمام المتقين، عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم.
يا عباد الله، إنها أعظم المصائب، فكل مصيبة تهون أمام هذه المصيبة، وتصغر وتحقر والله، فالمصاب جَلَلٌ، والحدث رهيب؛ عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: ((فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم بابًا بينه وبين الناس، أو كشف سترًا، فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر، فحمد الله على ما رأى من حسن حالهم؛ رجاء أن يخلفه الله فيهم بالذي رآهم، فقال: يا أيها الناس، أيما أحد من الناس - أو من المؤمنين - أُصيب بمصيبة فليتعزَّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحدًا من أمتي لن يُصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي))؛ [أخرجه ابن ماجه، صححه الإمام الألباني في الصحيحة]، قال السندي: "((فليتعزَّ)) ويخفف على نفسه مؤونة تلك المصيبة بتذكر هذه المصيبة العظيمة؛ إذ الصغيرة تضمحل في جنب الكبيرة، فحيث صبر على الكبيرة لا ينبغي أن يبالي بالصغيرة"؛ [حاشية السندي على ابن ماجه].
ولله در أبي العتاهية؛ حيث قال:
اصبر لكل مصيبة وتجلَّد
واعلم بأن المرء غير مخلدِ
واصبر كما صبر الكرام فإنها
نوب تنوب اليوم تكشف في غدِ
أو ما ترى أن المصائب جمة
وترى المنية للعباد بمرصدِ
فإذا أتتك مصيبة تشجى بها
فاذكر مصابك بالنبي محمدِ
يا عباد الله، إن وفاة النبي الكريم حدثٌ أظلمت له الدنيا؛ في مسند الإمام أحمد بسند صحيح، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: ((فما رأيت يومًا قط أنورَ ولا أحسن من يوم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر المدينة، وشهدت وفاته، فما رأيت يومًا قط أظلم ولا أقبح من اليوم الذي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه)).
ويقول أبو ذؤيب الهذلي؛ وهو من الشعراء المخضرمين، أسلم في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وصلى عليه إلا أنه لم يره: "قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج أهلُّوا جميعًا بالإحرام، فقلت: مه؟! فقالوا: قُبض رسول الله عليه وسلم"؛ [فتح الباري].
عباد الله، إنه مما كان في آخر أيام المصطفى عليه الصلاة والسلام، ما جاء في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، وقال: ((إن الله خيَّر عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله، قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خُيِّر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخيَّر، وكان أبو بكر أعلمنا)).
فعلم أن ذلك لحضور أجله، وقدومه على ربه، وتهيئة نزله، وقد اختار رسول الله ما عند الله جل في علاه؛ وفيهما عن عقبة بن عامر رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يومًا، فصلى على أهل أحد صلاته على الميت - جاء أن هذا كان بعد ثماني سنين كالمودِّع للأحياء والأموات - ثم انصرف إلى المنبر، فقال: إني فَرَطٌ لكم، وإني شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى الحوض، ألَا وإني قد أُعطيت مفاتيح خزائن الأرض - أو مفاتيح الأرض - وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها)).
وبدأ وجعه ومرضه الذي قُبض فيه، في مطلع ربيع الأول؛ ففي مسند الإمام أحمد - وهو حسن - عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: ((رجع إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم من جنازة بالبقيع، وأنا أجد صداعًا في رأسي، وأنا أقول: وا رأساه، قال: بل أنا وا رأساه، ثم قال: ما ضركِ لو مِتِّ قبلي، فغسلتكِ وكفنتكِ، ثم صليت عليكِ، ودفنتكِ، قلت: لكني أو لكأني بك، والله لو فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرستَ فيه ببعض نسائك، قالت: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بُدئ في وجعه الذي مات فيه)).
وقد كان سبب مرضه - بأبي هو وأمي - تلك المؤامرة اليهودية الغادرة والخائنة، حين دست المرأة اليهودية السُّمَّ للنبي عليه الصلاة والسلام في الطعام - وكانت شاة مصلية، يعني: مشوية - الذي دعته إليه؛ كما عند أبي داود - وقال الإمام الألباني: حسن صحيح - فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وأكل القوم، فقال: ((ارفعوا أيديكم؛ فإنها أخبرتني أنها مسمومة، فمات بشر بن البراء بن معرور الأنصاري، فأرسل إلى اليهودية: ما حملكِ على الذي صنعتِ؟ قالت: إن كنت نبيًّا لم يضرك الذي صنعت، وإن كنت ملكًا أرحتُ الناس منك، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقُتلت))، ثم قال في وجعه الذي مات فيه وهو شاهدنا: ((ما زلتُ أجد من الأكلة التي أكلت بخيبر، فهذا أوان قُطعت أَبْهَرِي)).
وفي الصحيح عن أم المؤمنين عائشة قالت: ((لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه - وكان في بيت ميمونة رضي الله عنها - استأذن أزواجه أن يمرَّض في بيتي فأُذن له، فخرج وهو بين الرجلين تخط رجلاه في الأرض بين عباس بن عبدالمطلب وبين رجل آخر، قال عبيدالله: فأخبرت عبدالله بالذي قالت عائشة، فقال لي عبدالله بن عباس: هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تُسَمِّ عائشة؟ قال: قلت: لا، قال ابن عباس: هو علي بن أبي طالب))، وكانت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تحدِّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل بيتي، وقد كان في يوم الاثنين، ومات يوم الاثنين الذي يليه، واشتد به وجعه، قال: ((هريقوا عليَّ من سبع قِرب لم تحلل أَوْكِيَتُهن؛ لعلي أعْهَدُ إلى الناس، فأجلسناه في مخضب - وهو وعاء تُغسل فيه الثياب - لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ثم طفِقنا نصبُّ عليه من تلك القرب - وعاء من جلد يوضع فيه الماء ونحوه - حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن، قالت: ثم خرج إلى الناس فصلى بهم وخطبهم)).
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: ((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه، عاصبًا رأسه بخرقة، فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إنه ليس من الناس أحد أمنُّ عليَّ في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذًا من الناس خليلًا، لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خَوخَة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر)).
وجاء في الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: ((لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه، فحضرت الصلاة، فأذن، فقال: مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس، فقيل له: إن أبا بكر رجل أسِيفٌ، إذا قام في مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، وأعاد فأعادوا له، فأعاد الثالثة، فقال: إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس، فخرج أبو بكر فصلى فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفَّةً، فخرج يُهادَى بين رجلين، كأني أنظر رجليه تخطُّان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخر، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أنْ مكانَك، ثم أُتِيَ به حتى جلس إلى جنبه، قيل للأعمش: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، فقال برأسه: نعم)).
ومرض عليه الصلاة والسلام مرضًا شديدًا؛ حتى قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ((ما رأيت رجلًا أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم))؛ [كما في الصحيحين].
وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت، وهو مسند إلى صدرها، وأصغت إليه وهو يقول: ((اللهم اغفر لي، وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى))؛ [متفق عليه].
وقالت كما في الصحيحين: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو صحيح: ((إنه لم يُقبَضْ نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يُخيَّر، فلما نزل به ورأسه على فخذي، غُشِيَ عليه، ثم أفاق فأشخص بصره إلى سقف البيت، ثم قال: اللهم الرفيق الأعلى، فقلت: إذًا لا يختارنا، وعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا - وهو صحيح - قالت: فكانت آخر كلمة تكلم بها: اللهم الرفيق الأعلى)).
أيها المؤمنون، هذه بعض مشاهد ومواقف لنبينا صلى الله عليه وسلم في آخر أيامه ولحظات حياته، نفعني الله وإياكم بما سمعتم وأستغفر الله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله؛ أما بعد:
فيا أيها المسلمون، يا من تحبون الرسول الكريم، هذه بعض وصايا حبيبكم في آخر أيامه، نعرضها عليكم عرضًا سريعًا؛ لعل الله القدير أن ينفع بها.
فمن وصايا نبيكم: ما جاء عند الإمام أحمد وغيره وهو حديث صحيح، عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: ((صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظةً بليغةً، ذرفت لها الأعين، ووجِلَت منها القلوب، قلنا أو قالوا: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع، فأوصِنا، قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن كان عبدًا حبشيًّا، فإنه من يعِشْ منكم يرى بعدي اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدَثات الأمور، فإن كل محدَثة بدعة، وإن كل بدعة ضلالة)).
ومن وصاياه: ما جاء في مسند أحمد - بسند حسن - أيضًا وغيره؛ عن علي رضي الله عنه قال: ((كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة الصلاة - أي: الزموها واهتموا بشأنها ولا تغفلوا عنها - اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم))؛ أي: اتقوا الله في أموالكم بأداء الزكاة، وهكذا اتقوا الله في العبيد والإماء؛ فهذه وصية من النبي بهم.
ومن وصاياه: ما جاء في صحيح البخاري عن أم المؤمنين عائشة وابن عباس رضي الله عنهم، قالا: ((لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفِق يطرح خميصةً على وجهه، فإذا اغتم كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد؛ يحذِّر ما صنعوا)).
أيها الأحبة، ما مات الرسول الكريم حتى أنعم الله على هذه الأمة بأن أكْمَلَ الله دينها وارتضاه، فلا يقبل من العالمين بعد بعثته دينًا سواه؛ يقول عليه الصلاة والسلام: ((تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي...))؛ [أخرجه الحاكم عن أبي هريرة، وصححه الإمام الألباني].
فتمسكوا - يا رعاكم الله - بالكتاب وصحيح السنة، وإياكم والإحداث في الدين والشرك بالله العظيم، احذروا من دعاة الشر والبدعة، وإياكم والاختلاف والفرقة، حافظوا على صلاتكم، وأوقاتكم في طاعة ربكم، وإياكم والتفريط بالواجبات، والوقوع في المعاصي والمحرمات، والتساهل بحقوق الخلق، واتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، والعرض على الله رب الأرض والسماوات.
اللهم احشرنا في زمرة نبينا محمد وتحت لوائه، اللهم واجعلنا من أهل جواره، وارفعنا في الفردوس الأعلى عنده، واجعلنا ممن يحبه ويحب من يحبه، ويبغض من يبغضه، ويوالي من أجل دينه، ويعادي من أجل سُنَّته، اللهم اجبر مصابنا به.
اللهم صلِّ عليه كما صليت على إبراهيم، وبارك عليه كما باركت على إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، والحمد لله رب العالمين.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|