12-21-2022, 09:58 AM
|
|
SMS ~
[
+
]
|
|
|
|
تفسير قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَ
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾[البقرة: 183 - 186].
قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ سبق الكلام عليه.
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ﴾؛ أي: فرض عليكم الصيام، أي: فرض الله عليكم الصيام وأوجبه.
والصيام لغة: الإمساك، قال تعالى: ﴿ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴾ [مريم: 26]؛ أي: إمساكًا عن الكلام، وقال النابغة الذبياني[1]:
خيل صيام وخيل غير صائمة
تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
فقوله: «خيل صيام»؛ أي: ممسكة عن السير.
والصيام شرعًا: التعبد لله بترك الأكل والشرب، وجميع المفطرات الحسية والمعنوية، من طلوع الفجر، إلى غروب الشمس.
﴿ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ الكاف صفة لموصوف محذوف وقع مفعولًا مطلقًا لـ«لكتب»، و«ما» مصدرية، أو موصولة، والتقدير: كتب عليكم الصيام، كتبًا مثل كتبه، أو مثل الذي كتب، على الذين من قبلكم، من الأمم السابقة، من أهل الكتاب وغيرهم.
والتشبيه هنا بالفرض دون المفروض، فلا يلزم عليه أن يكون صيامنا كصيام من قبلنا؛ في وقته، ومقداره، وصفته، وغير ذلك.
واختلف في الذي كتب على الذين من قبلنا، فقيل: كتب عليهم صيام شهر رمضان، وقيل: كتب عليهم صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وقيل: صيام عاشوراء.
ولا دليل على شيء من هذه الأقوال، والأظهر أن صيام رمضان مما اختص الله به هذه الأمة.
والحكمة في قوله تعالى: ﴿ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾:
أولًا: الترغيب في المنافسة لهم بالأعمال الصالحة، والإشارة إلى استكمال هذه الأمة فضائل الأمم السابقة؛ لأن الصيام من أفضل الأعمال.
ثانيًا: تخفيف فرض الصيام على النفوس ببيان أن الصيام كما كُتب على هذه الأمة، فقد كُتب على من قبلهم من الأمم، وقد قيل: إن التكاليف إذا عمَّت خفَّت، كما أن المصائب إذا عمَّت خفَّت، كما قالت الخنساء[2]:
ولولا كثرة الباكين حولي
على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن
أسلي النفس عنه بالتأسي
وذكر أنه لما حضرت الإسكندر المقدوني الوفاة أمر أمه أن تكتب على باب القصر: «لا يأتيني للتعزية أحد أصابته مصيبة»، فكتبت ذلك، فلم يأتها أحد، فسألت عن ذلك، فقيل لها: إنك كتبت على باب القصر: «لا يأتيني للتعزية أحد أصابته مصيبة»، وما من أحد إلا وقد أصابته مصيبة، ففهمت السر في أمر ابنها لها بذلك، فقالت: «لقد عزيتني عن نفسك بنفسك».
﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾؛ أي: لأجل أن تتقوا الله، بفعل أوامره، واجتناب نواهيه.
فالصيام من تقوى الله عز وجل، ويحمل على تقوى الله؛ لما فيه من تربية النفس وتزكيتها، وتجديد الإيمان وزيادته، فهو مدرسة يتربى فيها المسلم على سلوك الطريق المستقيم، والمنهج القويم، لما فيه من تقوية القلب، وتعويده الصبر، والتحمل ومراقبة الله عز وجل من جهة.
ولما فيه من تليين القلب وترقيقه من جهة أخرى، مما يكون سببًا للألفة والمحبة والتواصل، والعطف على الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام، ولما فيه من تضييق مجاري الشيطان، وإضعاف نوازع النفس، ودواعي الشهوة.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ««يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء»[3].
قوله تعالى: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾.
قوله: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾ «أيامًا» منصوب بفعل مقدر؛ أي: أن تصوموا ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ و«أيامًا» نكرة تفيد القلة لوصفها بـ«معدودات».
والمعنى: أيامًا محصيات محدودات قليلات، ثلاثين يومًا، أو تسعة وعشرين يومًا، في السنة، من بين اثني عشر شهرًا، فليس فيه عنت، ولا مشقة، بل هو في غاية اليسر والسهولة.
وقد عوَّض الله عز وجل هذه الأمة لما كانت أعمارهم قليلة بالنسبة لمن سبقهم من الأمم بصيام هذا الشهر؛ ليدركوا من سبقهم، بل وليسبقوهم بالفضيلة كما قال صلى الله عليه وسلم: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا»[4].
وما أسرع ما تمضي هذه الأيام المباركة، من هذا الشهر المبارك- وخاصة عند من قَدَّرها قدرها.
﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ هذا تيسير بعد تيسير، والفاء في قوله: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا﴾ عاطفة، و«من» شرطية، و«كان» فعل الشرط، وجوابه ﴿ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾، وهذا كالاستثناء من عموم قوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾.
والمريض: هو معتل الصحة، وقد قالوا في تعريف المرض: هو عبارة عن خروج البدن عن حد الاعتدال والاعتياد إلى الاعوجاج والشذوذ.
والصحيح أن المريض: من به علة.
والمراد بالمريض الذي يشق عليه الصوم، أو يضره، كأن يخشى على نفسه الهلاك، أو زيادة العلة، أو تأخر البرء، أو يحتاج إلى استعمال الدواء المفطِّر أثناء النهار، ونحو ذلك.
أما المريض الذي لا يشق عليه الصوم، فليس له أن يفطر.
﴿ أَوْ عَلَى سَفَرٍ ﴾ «أو» عاطفة، أي: أو كان مسافرًا.
والسفر: هو الضرب في الأرض والسير فيها، قال تعالى: ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [المزمل: 20]؛ أي: يسافرون في الأرض، وسُمي سفرًا؛ لأنه خروج من البلد إلى حيث السفر والنور، وقيل: سُمي السفر سفرًا؛ لأنه يُسفر عن أخلاق الرجال، ويُعرفون به، فرجل يقوم بخدمة رفاقه في تهيئة منزلهم، وطعامهم وشرابهم وقهوتهم، وغير ذلك.
ورجل يستند إلى متكأ، ويُصدر الأوامر، افعلوا كذا، وكذا، وأعطوني كذا. وشتان بين الرجلين.
ولا شك أن السفر محك عظيم، عن خرشة بن الحر، قال: «شهد رجل عند عمر بن الخطاب بشهادة، فقال له: لست أعرفك، ولا يضرك أن لا أعرفك، ائت بمن يعرفك، فقال رجل من القوم: أنا أعرفه قال: بأي شيء تعرفه؟ قال: بالعدالة والفضل، فقال: فهو جارك الأدنى الذي تعرف ليله ونهاره، ومدخله، ومخرجه؟ قال: لا، قال: فعاملته بالدينار، والدرهم اللذين بهما يستدل على الورع؟ قال: لا، قال: فرفيقك في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا، قال: لست تعرفه. ثم قال للرجل: ائت بمن يعرفك»[5].
وفي قوله: ﴿ أَوْ عَلَى سَفَرٍ ﴾ إشارة إلى أن المسافر يترخص بأحكام السفر، ولو أقام في بعض البلدان، حتى ينوي الإقامة.
وفي إطلاق السفر دلالة على أن للمسافر الفطر مطلقًا سواء كان السفر طويلًا أو قصيرًا، ومهما كان القصد من السفر.
﴿ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ جواب الشرط، واقترن بالفاء؛ لأنه جملة اسمية، والتقدير: ومن كان منكم مريضًا، أو على سفر، فأفطر، فعليه صيام عدة من أيام أخر، إذا زال عذر المرض والسفر، بقدر الأيام التي أفطرها.
وفي قوله: ﴿ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ مع حذف المقدر في الكلام وهو (فأفطر) إشارة- والله أعلم- إلى اختلاف حكم الفطر في حق المريض والمسافر، فقد يكون جائزًا، وقد يكون مستحبًا؛ وقد يكون واجبًا- كما سيأتي تفصيله في الأحكام.
كما أن في قوله: ﴿ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ بتنكير «أيام» دلالة على أن الوقت موسع في قضاء رمضان، فلا يلزمه أن يصوم حال زوال عذره، من مرض، أو سفر، ونحو ذلك، وإن كان الأولى المبادرة بصيامها.
وفيه دلالة على أنه لا يلزم التتابع في صيام القضاء.
كما أن فيه أن على من أفطر لعذر المرض، أو السفر أن يقضي أيامًا بعدد الأيام التي أفطرها، ولو كان الشهر كله، كاملًا كان أو ناقصًا، ولو كانت أيامًا قصيرة باردة عن أيام طويلة حارة، أو العكس.
﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ﴾ أي: وعلى الذين يستطيعونه - يعني الصيام - ولم يصوموا.
﴿ فِدْيَةٌ طَعَامُ ﴾ قرأ نافع وأبو جعفر، وابن ذكوان عن ابن عامر: «فديةُ طعامِ» بإضافة فدية إلى طعام، وقرأ الباقون: ﴿ فِدْيَةٌ طَعَامُ ﴾ بتنوين «فديةٌ»، ورفع «طعامُ» أي: فديةٌ هي طعام.
﴿ مِسْكِينٍ ﴾ قرأ نافع وابن عامر: «مساكين» على الجمع، وقرأ الباقون بالإفراد: ﴿ مِسْكِينٍ ﴾.
والفدية: ما يفتدى به من مال، أو عرض، «طعام» مطلق في أي طعام.
و«المسكين» من لا يجد كفايته، مأخوذ من السكون، وهو عدم الحركة؛ لأن الفقر أسكنه وأذله.
أي: وعلى الذين يستطيعون الصيام ولم يصوموا فدية عن الصوم، وهي طعام مسكين نصف صاع من الطعام عن كل يوم.
أي: إن الإنسان مخير بين الصيام والإطعام، وهذا في أول فرض الصيام، ثم نسخ هذا التخيير بتعين الصيام، بقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185].
عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: «لما نزلت: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ كان من أراد أن يفطر يفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها»[6].
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: «نسخت هذه الآيةَ - يعني: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ التي بعدها ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾»[7].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ كان من شاء صام، ومن شاء أفطر، فنسختها: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾[8].
وقد ثبت عن ابن عباس القول بأنها غير منسوخة، كما روى البخاري، عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقرأ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ قال ابن عباس: «ليست منسوخة، هي للشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا»[9].
والصحيح أنها منسوخة.
﴿ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا ﴾ الفاء: عاطفة، و«من» شرطية، و«تطوع» فعل الشرط، و«خيرًا» منصوب صفة لمصدر محذوف، أي: فمن تطوع تطوعًا خيرًا.
ويحتمل أن تكون «خيرًا» مفعولًا لأجله، أي: تطوع يريد الخير.
والتطوع: فعل الطاعة، واجبة كانت، أو مستحبة، ولا يكون الفعل طاعة، إلا بالإخلاص لله عز وجل ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
أي: فمن تطوع بالفدية بأن زاد على الواجب فأطعم أكثر من مسكين، أو زاد في إطعام المسكين.
﴿ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ﴾: جواب الشرط، وقرن بالفاء؛ لأنه جملة اسمية، أي: فهو خير له، يدخره عند الله، ويثاب عليه، أو فهو أفضل له من ترك التطوع.
﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ الواو: عاطفة، و«أن» والفعل بعدها في تأويل مصدر، في محل رفع مبتدأ، أي: وصيامكم خير لكم، وأفضل من الفدية بالطعام.
وهذا حال التخيير بين الصيام والإطعام، في أول فرض الصيام.
﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي: إن كنتم ذوي علم تنتفعون بعلمكم، أي: فاعلموا أن صيامكم خير لكم.
قوله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾.
قوله: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ ﴾ خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: هي، أي: الأيام المعدودات - شهر رمضان.
و«الشهر» مدة ما بين الهلالين، سمي بذلك لاشتهاره.
و«شهر» مضاف و«رمضان» مضاف إليه، وهو ممنوع من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون، مشتق من الرمضاء، وهي الحرارة.
قيل: سمي بذلك؛ لأنه لما سميت الشهور بأسمائها وافق وقت الحر والرمضاء.
وقيل: لأنه أول أشهر الحرارة، بناء على ما كان من النسيء في السنة عند العرب.
وفي قوله: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ ﴾ خبر يتضمن تحديد وقت ومقدار الصيام الذي فرضه الله عز وجل على المؤمنين، ووصفه بأنه ﴿ أيامًا معدودات ﴾.
وفيه تعظيم هذا الشهر وامتداحه من بين شهور السنة؛ لأن الله عز وجل أنزل فيه القرآن، وخصه بفريضة الصيام.
﴿ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ وصف لـ«شهر رمضان» والمعنى: الذي ابتدئ فيه إنزال القرآن؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ﴾ [الدخان: 3]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1].
فابتدأ إنزاله في شهر رمضان في ليلة مباركة منه هي ليلة القدر، ثم تتابع نزول القرآن مفرقًا خلال ثلاث وعشرين سنة، حسب الوقائع والأحداث؛ قال تعالى: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾ [الإسراء: 106]، وقال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ [الفرقان: 32].
وقد نزلت صحف إبراهيم والزبور والتوراة والإنجيل كل منها جملة واحدة.
وعلى هذا فتكون «أل» في قوله: ﴿ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ للجنس، ويكون المراد بالقرآن بعضه، وهو أوله نزولًا، ويشهد لهذا القول الواقع، فإن القرآن نزل في جميع شهور السنة، فمنه ما نزل في شوال، ومنه ما نزل في ذي القعدة، ومنه ما نزل في ذي الحجة، ومنه ما نزل في غير ذلك.
وقد رُويَ عن ابن عباس رضي الله عنهما «قوله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾؛ أي: أنه أنزل في رمضان إلى بيت العزة في السماء الدنيا جملة واحدة، ثم أنزل على مواقع النجوم ترتيلًا في الشهور والأيام»[10].
وعلى هذا تكون «أل» في القرآن للعموم، أي: أنزل فيه القرآن كله من السماء السابعة إلى بيت العزة في السماء الدنيا.
والصحيح القول الأول؛ لأن المعنى عليه أقوى، وهو أن المراد بإنزال القرآن في شهر رمضان: بدء إنزاله فيه على النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وحجة على الناس أجمعين.
وقوله ﴿ أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ بالبناء لما لم يسم فاعله؛ لأن المنزل معلوم وهو الله جل وعلا، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 2].
و«القرآن» مأخوذ من «قرأ»، إذا تلا، ومن «قرى» بمعنى «جمع» لأنه مجموع آيات وسور، وهو كلام الله عز وجل المنزل على الرسول- محمد صلى الله عليه وسلم، المتعبد بتلاوته، والعمل به، المعجز بأقصر سورة منه، المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس.
﴿ هدى للناس ﴾ حال من القرآن، أي: حال كونه هاديًا للناس، أو مفعول لأجله، أي: لأجل هداية الناس، والمراد هنا: الهداية العامة، هداية الدلالة والعلم والبيان والإرشاد، أي: دالًا للناس على الطريق المستقيم، والمنهج القويم؛ كما قال عز وجل: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9]، وقال تعالى: ﴿ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 138].
و«الناس» أصلها «الأناس» قال الشاعر[11]:
إن المنايا يطْلعْ
نَ على الأناس الآمنينا
وقال لبيد[12]:
وكل أناس سوف تدخل بينهم
دويهية تصفر منها الأنامل
وخففت لكثرة الاستعمال، فقيل: «الناس»، والمراد بهم البشر، الموجود منهم حال نزول القرآن، ومن سيوجد إلى قيام الساعة؛ لأن رسالته صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الوحي عام لجميع الناس، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سبأ: 28]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158].
بل رسالته صلى الله عليه وسلم وما جاء به عام للثقلين الإنس والجن، والقرآن هدى لهم جميعًا هداية عامة، وهو هدى هداية خاصة للمتقين المؤمنين، كما قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2].
وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [النحل: 64]، وقال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89].
﴿ وَبَيِّنَاتٍ﴾ معطوف على «هدى» أي: حال كونه هدى للناس، ومشتملًا على آيات بينات، كما قال تعالى: ﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 49]، وقال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ ﴾ [الحج: 16]، وقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 9].
﴿ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ صفة لـ«بينات»، أي: مشتملًا على آيات واضحات ﴿ مِنَ الْهُدَى ﴾ أي: من الدلالة والإرشاد إلى الحق وبيانه.
﴿ وَالْفُرْقَانِ﴾ أي: ومن الفرقان الذي يفرق بين الحق والباطل، والرشد والغي، والهدى والضلال، والخير والشر، والحلال والحرام، وأهل السعادة وأهل الشقاوة، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16].
و«الهدى» و«الفرقان» من أسماء القرآن الكريم، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴾ [البقرة: 159]، وقال تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1].
﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ الفاء: عاطفة، و«من» شرطية، و«شهد» فعل الشرط، ومعناه: حضر، وكان مقيمًا حال دخول الشهر ﴿ مِنْكُمُ ﴾ أيها المؤمنون، ﴿ الشَّهْرَ ﴾ شهر رمضان، و«أل» فيه للعهد الذكري، أي: الشهر المذكور قبل في قوله ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ ﴾.
﴿ فَلْيَصُمْهُ ﴾ الفاء رابطة لجواب الشرط؛ لأنه جملة طلبية، واللام للأمر، والأصل في الأمر الوجوب، أي: فمن حضر منكم الشهر، بأن كان شاهدًا مقيمًا، حال دخول شهر رمضان ﴿ فَلْيَصُمْهُ ﴾ أي: فليصم نهاره وجوبًا، وإن شهد بعض الشهر وجب عليه صيام ذلك البعض.
وهذا ناسخ للتخيير بين الصيام والإطعام في قوله تعالى: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾.
والحكمة والله أعلم في التخيير بين الصيام والإطعام أولًا، ثم نسخ التخيير، وإيجاب الصيام هي التدرج في الحكم، ونقل الناس من الأخف إلى الأثقل شيئًا فشيئًا، فلو أُمروا أول ما أُمروا بوجوب الصوم لربما استثقلوه وشق عليهم- وكما هو الحال في الخمر، حيث جاء التدرج في تحريمه على عدة مراحل.
ونسخ التخيير بين الصيام والإطعام إلى تحتم الصيام من نسخ الحكم وبقاء التلاوة. والحكمة فيه- والله أعلم- تذكير الخلق بهذا التدرج، امتنانًا عليهم.
وهذه الواقعة من أصح وقائع النسخ في هذه السورة، بل من أصح وقائع النسخ في القرآن الكريم.
﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ﴾، أعاد ذكر الرخصة للمريض والمسافر بالفطر مع القضاء من أيام أخر - والله أعلم - لئلا يعتقد أن الرخصة منسوخة، كما نسخ التخيير بين الصيام والإطعام بوجوب الصيام.
وأيضًا تأكيدًا وتذكيرًا بنعمة الله عز وجل وفضله عليهم في التخفيف عن المريض والمسافر.
ولمناسبة ما بعده، وهو قوله تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ فهذا تعليل لقوله: ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ﴾.
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ﴾ المراد بالإرادة هنا الإرادة الشرعية التي بمعنى المحبة، أي: يحب الله لكم اليسر، أي: التيسير والتخفيف عليكم فيما شرع لكم، ولذلك رخص في الفطر للمريض والمسافر.
﴿ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ هذه الجملة لتأكيد إرادته عز وجل اليسر، أي: ولا يحب لكم العسر والمشقة.
والصفات المنفية يؤتى بها لإثبات كمال ضدها، أي: يريد الله ويحب لكم اليسر كل اليسر، يسرًا لا عسر معه، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، وقال تعالى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الأعراف: 157].
وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى رضي الله عنهما، حين بعثهما إلى اليمن: «يسِّرا، ولا تعسِّرا، وبشِّرا، ولا تنفِّرا»[13].
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يسروا ولا تعسروا، وبشروا، ولا تنفروا»[14]، وفي رواية: «وسكِّنوا ولا تنفروا»[15].
﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ﴾ قرأ يعقوب وأبو بكر عن عاصم «ولتكمِّلوا» بالتشديد، وقرأ الباقون بالتخفيف. والواو في قوله: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ﴾ عاطفة، واللام للتعليل، والفعل منصوب بـ«أن» مضمرة بعد اللام. والجملة معطوفة على «اليسر» في قوله: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ﴾ أي: يحب الله لكم اليسر، وأن تكملوا العدة.
أي: ولتكملوا عدة شهر رمضان، بصيامه وقضاء ما أفطرتم منه لعذر المرض والسفر ونحو ذلك، سواء كان الشهر ثلاثين يومًا، أو تسعة وعشرين يومًا.
قال ابن كثير[16]: «أي: إنما رخص لكم في الإفطار للمرض والسفر ونحوهما من الأعذار لإرادته بكم اليسر، وإنما أمركم بالقضاء لتكملوا عدة شهركم».
﴿ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ﴾ معطوفة على ﴿ وَلِتُكْمِلُوا ﴾ داخلة ضمن ما يريده الله ويحبه، أي: يحب الله لكم اليسر، وأن تكملوا العدة، وأن تكبروا الله على ما هداكم.
ومعنى: ﴿ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ ﴾؛ أي: ولتعظموا الله بألسنتكم وقلوبكم بتكبير الله عز وجل لأنه أكبر من كل شيء، وله الكبرياء والعظمة؛ كما قال عز وجل: «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري»[17].
﴿ مَا هَدَاكُمْ ﴾ «ما» مصدرية، أي: على هدايته لكم، هداية بيان وعلم ودلالة وإرشاد، وهداية توفيق للعمل.
والمعنى: ولتكبروا الله وتعظموه على الدوام، وفي ختام هذا الشهر، وليلة العيد ويومه إلى الفراغ من خطبة العيد على هدايته لكم للصراط المستقيم، ولصيام شهر رمضان وإكماله؛ مرددين: «الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد»[18]، «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد»[19]، «الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا»[20].
إلى غير ذلك من ألفاظ التكبير.
وكذا تعظيم الله عز وجل بأنواع الذكر كلها، التي تشرع على الدوام، وبخاصة عند إكمال العبادات وقضائها، كما قال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ [البقرة: 200]، وقال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ﴾ [النساء: 103]، وقال تعالى: ﴿ ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10]، وقال تعالى: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ﴾ [ق: 40].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير»[21].
وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: «لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك»[22].
﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ الواو: عاطفة، و«لعل» للتعليل، أي: ولأجل أن تشكروا الله على ما أنعم به عليكم، من الشرع المطهر، وفرض الصيام، والتيسير فيه على المريض والمسافر، وتوفيقكم لإكمال عدة الشهر، وختامه بتكبير الله، وذلك بالاستمرار على طاعته، بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، كما قال تعالى في أول الآيات: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾.
قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.
ذكر الله عز وجل مشروعية الصيام وأحكامه في الآيات قبل هذه الآية وبعدها، وجعل هذه الآية بين تلك الآيات ترغيبًا- والله أعلم- للصائم في دعاء الله عز وجل، وإشارة إلى أن دعوة الصائم مستجابة لا ترد، كما قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنَّك ولو بعد حين»[23].
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد»[24].
عن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه رضي الله عنه: «أن أعرابيًّا قال: يا رسول الله، أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾»[25].
قوله: ﴿ وإذا سَأَلَكَ ﴾الواو: عاطفة، و«إذا» ظرفية شرطية، غير عاملة، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.
﴿ عباديَ ﴾؛ أي: عبادي المؤمنون، وأضافهم عز وجل إليه تشريفًا وتكريمًا لهم؛ لأن المراد بالعبودية هنا العبودية الخاصة، عبودية أوليائه عز وجل.
﴿ عني ﴾ أي: عن قربي، وإجابتي، بدليل الجواب: ﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾.
﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾ جواب «إذا»، أي: فقل لهم: إني قريب، أسمع دعاءهم، فليناجوني بالدعاء، دون النداء برفع الصوت.
وقربه عز وجل من عباده المؤمنين قرب خاص، وكلما كان العبد لله أعبد وأتقى، كان الله منه أقرب.
قال صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد»[26].
وفي الحديث القدسي قوله- عز وجل: «ومن تقرب إليَّ شبرًا تقربت منه باعًا»[27].
فهو عز وجل قريب، ومع عباده المؤمنين معية خاصة، يسمع كلامهم، ويستجيب دعاءهم، ويحفظهم ويسددهم، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128].
وقال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام: ﴿ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه: 46].
وقال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر- فيما حكى الله تعالى عنه: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]، وقال صلى الله عليه وسلم: «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما»[28].
كما أنه سبحانه مع جميع خلقه بعلمه وإحاطته، كما قال تعالى: ﴿ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [المجادلة: 7].
﴿ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ هذه الجملة خبر ثان لـ«إن» وخبرها الأول «قريب»، و«الداع» أصلها «الداعي» فحذفت الياء تخفيفًا.
و«الدعاء» الطلب، وهو نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة، والآية تشمل النوعين، وهما متلازمان. والمعنى: فإني قريب، أسمع دعوة الداعي إذا دعاني وناجاني، وأجيبه، أعطيه إذا سألني، وأثيبه إذا عبدني.
وفي هذا توجيه وإرشاد إلى أدب السؤال والدعاء، وأن يكون بالمناجاة بين العبد وربه دون النداء برفع الصوت.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، اربعوا[29] على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته، يا عبدالله بن قيس، ألا أعلمك كلمة من كنوز الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله»[30].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني» الحديث[31].
﴿ إِذَا دَعَانِ ﴾ «دعان» أصلها «دعاني» فحذفت الياء تخفيفًا. والمعنى: إذا صدق في دعائه إياي، وأخلص في ذلك، وذلك بصدق اللجوء إلى الله عز وجل والانكسار بين يديه، والثقة بوعده، وتمام قدرته، وكمال جوده.
﴿ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي ﴾ الفاء: رابطة لجواب الشرط، واللام للأمر، أي: فليجيبوا لي، وعدي باللام- مع أنه يتعدى بنفسه، فيقال: (فليجيبوني)- وذلك لأنه ضمن معنى الانقياد: أي: فلينقادوا لي ويجيبوني ويطيعوني، ويدعوني.
و«يستجيبوا» أبلغ من «يجيبوا»؛ لأن زيادة المبنى تدل غالبًا على زيادة المعنى. وهذا كقوله تعالى: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ [آل عمران: 195]؛ أي: أجاب، وقوله تعالى: ﴿ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى ﴾ [الرعد: 18]، وقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ﴾ [الشورى: 38]، أي: أجابوا، وقوله تعالى: ﴿ وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [الشورى: 26]، أي: ويجيب الذين آمنوا.
﴿ وَلْيُؤْمِنُوا بِي ﴾ معطوف على ما قبله، أي: فليصدقوا بي، وبقربي، وأني أجيب دعوة الداعي إذا دعاني.
﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ «لعل» للتعليل، أي: لأجل أن يرشدوا.
والرشد: حسن التصرف والاهتداء إلى طرق الخير عامة، في الدين، وفي الولاية، وفي التصرف في المال، وغير ذلك، أي: لأجل أن يهتدوا للإيمان والعمل الصالح فيرشدوا في دينهم ودنياهم وأخراهم، وذلك لإيمانهم بالله وانقيادهم له واستجابتهم لأمره.
قال تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم ﴾ [الحجرات: 7، 8]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [الأنفال: 29].
وفي قوله: ﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ ترغيب في دعائه عز وجل وأنه عز وجل لا يخيِّب دعاء من دعاه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، وقال تعالى: ﴿ وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [الشورى: 26]، وقال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تعالى يستحيي أن يبسط العبد إليه يديه يسأله فيهما خيرًا، فيردهما صفرًا»[32].
وفي رواية: «فيردهما خائبتين»[33].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة، ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدَّخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها». قالوا: إذًا نكثر، قال: «الله أكثر»[34].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي»[35].
وفي رواية[36]: «لا يزال يستجاب للعبد، ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل. قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء».
وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القلوب أوعية وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله أيها الناس فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل»[37].
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تعالى: يا بن آدم، واحدة لك وواحدة لي، وواحدة فيما بيني وبينك، فأما التي لي: فتعبدني لا تشرك بي شيئًا، وأما التي لك: فما عملت من شيء وَفَّيْتُكَه، وأما التي بيني وبينك: فمنك الدعاء وعليَّ الإجابة»[38].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
12-21-2022, 10:09 AM
|
#2
|
جزاك الله خير الجزاء
دمت برضى الله وحفظه ورعايته
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
12-21-2022, 08:44 PM
|
#3
|
\
جزاك الله خيرا
يعطيك العافيه يارب
اناار الله قلبكك بالايمــــــــان
وجعل ماقدمت في ميزان حسناتكـ
لكـ شكري وتقديري
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
12-28-2022, 08:27 AM
|
#4
|
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-04-2023, 08:23 AM
|
#5
|
جزاكِ الله خيرًا
وجعله في ميزان حسناتكِ
ونفع بك
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 04:52 PM
| | | | |