الشركات الغربية أمام معضلة .. الاستمرار في روسيا أو الرضوخ للعقوبات
بعد 18 شهرا على اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، لا تزال شركات غربية عالقة بين سندان مواصلة نشاطها التجاري في روسيا، ومطرقة الرضوخ للعقوبات الغربية والمغادرة، وهما خياران أحلاهما مكلف.
بحسب إحصاء أجرته جامعة يال الأمريكية، لا تزال نحو 100 شركة من دول مجموعة السبع تعمل في روسيا، على رغم أن عددها يواصل الانخفاض تدريجا.
وقال الخبير الاقتصادي المتخصص بالشأن الروسي جوليان فيركوي "ما زلنا نرى توجها نحو تقليص نشاط الشركات الغربية على الأراضي الروسية".
في 21 أغسطس، أعلنت سلسلة مطاعم البيتزا الأمريكية "دومينوز" قرارها مغادرة روسيا بسبب أجواء تزداد صعوبة، وأشهرت إفلاس فرعها المحلي الذي سعت لبيعه منذ أشهر، وأغلقت 142 مركزا في عموم أنحاء البلاد.
وأبلغ فيركوي وكالة "الفرنسية" أن "الحرب تخلق ظروفا غير ملائمة للشركات الأجنبية في روسيا، أيا كان قرارها" بشأن الاستمرار أو التوقف.
ففي حال قررت المغادرة وقامت بالأمر على وجه السرعة فذلك قد يكبدها خسائر كبيرة، لكن لمرة واحدة فقط.
والأمثلة على ذلك متعددة.
فبحسب إحصاء أعدته "فايننشال تايمز" استنادا إلى الحسابات السنوية لنحو 600 شركة أوروبية متعددة الجنسية، خسرت الشركات ما لا يقل عن 100 مليار يورو "في أعقاب بيع، إغلاق أو تقليص نشاطاتها في روسيا".
وعلى سبيل المثال، عانى صانع السيارات الفرنسي "رينو" خسارة قدرها 2.2 مليار يورو لدى انسحابه في مايو 2022 من روسيا، إحدى أهم الأسواق لمنتجاته في العالم.
أما الشركات التي عانت الخسائر الأبرز فهي تلك العاملة في مجال النفط.
وكانت مجموعة "بي بي" البريطانية أولى المغادرين بعيد بدء الحرب أواخر فبراير 2022، وتقدر خسائرها جراء تلك الخطوة بأكثر من 22 مليار يورو. دعاية سيئة ومقاطعة
في المقابل، فإن الإبقاء على نشاط تجاري في روسيا رغم الحرب ليس ممكنا من دون تكبد كلفة أيضا.
وقال فيركوي إن الشركات التي تغامر بمواصلة عملياتها في موسكو معرضة لـ"أكلاف باهظة على صعيد سمعتها".
ولا يخفي الأوكرانيون، وخصوصا رئيسهم فولوديمير زيلينسكي الذي يطل بشكل متكرر عبر منصات التواصل ووسائل الإعلام الغربية، انتقاداتهم اللاذعة للشركات التي تقرر مواصلة نشاطها في روسيا، وصلت إلى حد اتهامها بـ"تمويل الحرب الروسية من خلال الأرباح التي تحققها على الأراضي الروسية".
وتتعرض مجموعات عملاقة للغذاء والزراعة والتوزيع لانتقادات مباشرة بعدما قرر عدد كبير منها الاستمرار في روسيا على رغم العقوبات والحرب.
وتشكل سلسلة المتاجر الاستهلاكية الفرنسية "أوشان" مثالا على ذلك.
وبررت شركات غربية عدة قرارها البقاء في روسيا برغبتها في الإبقاء على توفير معيشة موظفيها والحؤول دون سيطرة المسؤولين الروس على أصولها.
إلا أن هذه المبررات لا تقنع كثيرين.
وقال أستاذ المسؤولية الاجتماعية للشركات في جامعة يال جيفري سونينفلد إن "هذه الشركات تقول إنها تبقى لأسباب إنسانية. هذه كذبة تهكمية".
ورأى سونينفلد الذي أعد قائمة بالشركات الغربية التي تركت روسيا أو بقيت فيها، أن هذه المجموعات الكبرى تساعد الاقتصاد الروسي على الاستمرار، من خلال طمأنة المستهلكين إلى استمرارها في بلادهم.
وأثار قرار شركات بالبقاء، دعوات لمقاطعتها من مجموعات المستهلكين.
وأعلنت أطراف اسكندينافية مقاطعة مجموعة "مونديليز" الأمريكية التي تشمل منتجاتها بسكويت "أوريو" وألواح الشوكولا "توبليرون". وباتت خطوط "ساس" الجوية والاتحاد النروجي لكرة القدم والجيش السويدي ترفض شراء منتجات هذه المجموعة التي كانت تعرف سابقا باسم "كرافت فودز". ضبابية قانونية
وتواجه الشركات التي تواصل العمل في روسيا، خطر مصادرة أصولها وأرباحها.
وقال فيركوي إن "البقاء خطر لأن البيئة القانونية يطبعها حاليا التعسف وافتراس الدولة على حساب المصالح الأجنبية".
وبموجب أحد المراسيم النافذة حاليا، يمكن لروسيا "أن تستحوذ بشكل موقت على الشركات" من الدول التي تعد "غير صديقة"، وفق ما أفاد فرانس برس فلاديمير تشيكين، المحامي المتخصص بقانون الشركات في روسيا.
وطالت هذه السياسة العقابية المنتج الدنماركي "كارلسبرغ" ومجموعة "دانون" الغذائية الفرنسية العملاقة.
وبينما كانت الشركتان في طور بيع عملياتهما في روسيا، باغتتهما الدولة بوضع اليد على أصولهما في البلاد.