ضحك النبي صلى الله عليه وسلم
كان صلى الله عليه وسلم يعرف السرور في وجهه.
وقد تحدث الصحابة رضي الله عنهم، عن ذلك ونقلوا لنا صورة سروره ومن ذلك:
• ما جاء في قصة كعب بن مالك حين تاب الله عليه إثر تخلفه عن غزوة تبوك، قال كعب، "فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو يبرق وجهه من السرور - "أبشر بخير يوم مر عليك.." قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سرَّ استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه"[1].
• وفي نزول براءة عائشة رضي الله عنها، قالت: "وأنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ساعته، فرفع عنه، وإني لأتبين السرور في وجهه، وهو يمسح جبينه ويقول: "أبشري يا عائشة، فقد أنزل الله براءتك"[2].
• وينقل لنا أنس رضي الله عنه آخر نظرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: كشف النبي صلى الله عليه وسلم سترة الحجرة، فنظر إلى أصحابه وهم في الصلاة، كأن وجهه ورقة مصحف، ثم تبسم يضحك[3].
وأما ضحكه صلى الله عليه وسلم فكان يتناسب مع ما ألقى الله عليه من المهابة.
قالت عائشة رضي الله عنها: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مستجمعًا قط ضاحكًا، حتى أرى لهواته[4]، إنما كان يتبسم"[5].
ومعنى هذا أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يقبل على الضحك بكليته.
ويصف جابر بن سمرة مجلسه صلى الله عليه وسلم في أصحابه، فيقول: "وكانوا يتحدثون، فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون ويتبسم"[6].
وقد تبدو نواجذه في ضحكه بعض الأحيان. كما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، في قصة الذي وقع على أهله في رمضان: "فأعطاه صلى الله عليه وسلم تمرًا، وقال: "تصدق بها" قال: على أفقر مني؟ والله ما بين لابتيها[7] أهل بيت أفقر منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه"[8].
وبدو النواجذ، لا ينافي الحديث الأول، لأن ظهور النواجذ - وهي الأسنان التي في مقدم الفم أو الأنياب - لا يستلزم ظهور اللهاة[9].
قال ابن القيم: "وكان جلّ ضحكه صلى الله عليه وسلم التبسم، بل كله تبسم، فكان نهاية ضحكه أن تبدو نواجذه، وكان يضحك مما يضحك منه، وهو مما يتعجب من مثله، ويُستغرب وقوعه ويستندر"[10].
ومما ينبغي أن يشار إليه: أن ضحكه صلى الله عليه وسلم لم يكن قهقهة في يوم من الأيام[11].
والضحك والبكاء خاصية في هذا الإنسان، وهما سر من أسرار التكوين البشري لا يدري أحد كيف هما. ولا كيف تقعان في هذا الجهاز المركب المعقد، الذي لا يقل تركيبه وتعقيده النفسي عن تركيبه وتعقيده العضوي، والذي تتداخل المؤثرات النفسية والمؤثرات العضوية فيه وتتشابكان وتتفاعلان في إحداث الضحك وإحداث البكاء[12].
قال تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴾[13] أي أنشأ للإنسان دواعي الضحك ودواعي البكاء.
وهذه الدواعي ليست دائمًا متوفرة، وكثير من الناس يضحك وربما لغير داع، وقد نهى صلى الله عليه وسلم أن يكثر الإنسان الضحك لمناسبة ولغير مناسبة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكثروا الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب"[14].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|