الجنة ( تعريفاتها وأنهارها )
تعريف الجنة لغة واصطلاحًا
وأنهار الجنة
لغةً: الجَنَّة والجُنَّة بالضم: ما استترتَ به من سلاح، والجنة: السُّترة، والجمع الجنن، يقال: استجنَّ بجُنَّة؛ أي: استتر بسترة، والجَنة: البستان، ومنه الجنَّات، والعرب تسمي النخيل جنةً[1]، ومنه قوله تعالى: ﴿ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [هود: 119].
قال زهير[2]:
كأنَّ عيني في غَرْبَيْ مُقتَّلةٍ
من النواضحِ تسقي جنَّةً سُحُقًا[3]
والجنة: (الحديقة ذات الشجر والنخل، وجمعها جِنان، وفيها تخصيص، ويقال للنخل وغيرها، وقال أبو علي في التذكرة: لا تكون الجنَّة في كلام العرب إلا وفيها نخل وعنب، فإن لم يكن فيها ذلك، وكانت ذات شجر، فهي حديقة وليست بجنة)[4].
الجنة اصطلاحًا: (هي دار الكرامة التي أعدَّ الله لأوليائه يوم القيامة، فيها نهر يطرد، وغرفة خالية، وشجرة مثمرة، وزوجة حسناء[5]، بل وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذُّ الأعين مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)[6].
وقيل: (الجنة هي دار الثواب لمن أطاع الله وموضعها عند سدرة المنتهى)[7].
أنهار الجنة
تعدُّ أنهار الجنة جزءًا لا يتجزَّأُ منها، وقد وصفها الله سبحانه وتعالى بأوصافٍ رائعةٍ وجميلة تُرغِّب الناس في التقرُّب إلى الله ودخول الجنة للتمتع بأنهارها، وهنالك أنواع من الأنهار التي ذكرها القرآن الكريم، وكذلك ذكرت في أحاديثَ في السنة النبوية.
ففي القرآن قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ﴾ [محمد: 15].
وقبل البَدْء في أوصاف وأنواع الأنهار الجنة فقد عبر ابن القيم عنها بعبارت ذات معانٍ جميلة، فقال:
أنهارها في غيرِ أخدودٍ جَرَت
سبحانَ مُمْسِكها عن الفيضانِ
من تحتِهم تجري كما شاؤوا مفجْ
جَرةً وما للنهرِ من نقصانِ
عسلٌ مصفًّى ثم ماءٌ ثم خَمْ
رٌ ثم أنهارٌ من الألبانِ
واللهِ ما تلك الموادُ كهذهِ
لكن هما في اللفظِ مجتمعانِ
هذا وبينَهما يَسيرُ تشابهٍ
وهو اشتراكٌ قام بالأذهانِ[8]
فهنا قد وصف الأنهارَ - كما قال مسروق[9]- أنها تجري في غير أخدود.
تدل الآية الكريمة، وكما في القصيدة النونية، أن هناك أربعة أنهار: (نهر الماء - نهر اللبن - نهر الخمر - نهر العسل)، وقد ذكر سبحانه هذه الأجناسَ الأربعة في الآية الكريمة، ونفى عن كلِّ واحد منها الآفةَ التي تعرِضُ له في الدنيا:
فآفة الماء أن يأسَن ويأجن من طول مكثه.
وآفة اللبن الذي يتغيَّر طعمه إلى الحموضة وأن يصير قارصًا.
وآفة الخمر كراهةُ مذاقِها وتُذهِب العقل.
وآفة العسل عدم تصفيتِه[10].
لقد تكرَّر في القرآن الكريم في عدَّة مواضع ذكرُ أنهار الجنة، لكن في كل موضع تدل على معنى:
الموضع الأول: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [البقرة: 25]، ففي هذا الموضع دلالة على أن وجود الأنهار حقيقة[11].
الموضع الثاني: ﴿ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ [التوبة: 100]، وهذا الموضع دلالة على أنها أنهارٌ جارية لا واقفة[12].
الموضع الثالث: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ﴾ [الأعراف: 43]، وفي هذا الموضع دلالة على أنها تجري تحت غرفهم وقصورهم[13].
• والآن أذكر أنهار الجنة:
الأول: (نهر الكوثر).
يقول سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ [الكوثر: 1].
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الكوثر: هو الخير الذي أعطاه الله إياه؛ قال أبو بشير: قلت لسعيد بن جبير: فإن الناس يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه[14].
الثاني: نهر بارق:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الشهداء على بارقٍ نهرٍ بباب الجنة، في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرةً وعشيًّا))[15].
وأنهار الجنة ليس بينها وبين أنهار الدنيا تشابهٌ إلا في الاسم فقط، وجريان الأنهار من تحت غرف الجنة والقصور مما يزيدها جمالاً وبهجةً، وهي حاصلة ومتحقِّقة لعباد الله المؤمنين؛ لأن الله وعد المتَّقين بهذا النعيم[16].
الثالث: (نهر البَيْذَخ أو البَيْدَح)[17]:
جاءتِ امرأةٌ فقالت: يا رسول الله، رأيتُ كأني دخلتُ الجنة، فسمعتُ بها وَجْبَةً ارتجَّت لها الجنةُ، فنظرت فإذا قد جيء بفلانِ بن فلان، وفلان بن فلان، حتى عدَّت اثنَي عشر رجلاً، وقد بعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سريةً قبل ذلك، قالت: فجيء بهم عليهم ثيابٌ طُلْسٌ، تشخَبُ أوداجُهم، قالت: فقيل: اذهَبوا بهم إلى نهر البَيْذَخ - أو قال إلى نهر البَيْدَح - قال: فغُمِسوا فيه، فخرجوا منه وجوههم كالقمر ليلة البدر، قالت: ثم أُتُوا بكراسي من ذهب، فقعدوا عليها، وأُتِي بصحفةٍ - أو كلمة نحوها - فيها بُسْر فأكلوا منها، فما يَقلِبُونها لشقٍّ إلا أكلوا من فاكهةٍ ما أرادوا[18].
الرابع: (النهران الظاهران والنهران الباطنان):
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رُفِعتُ إلى السدرة، فإذا أربعة أنهار: نهران ظاهران ونهران باطنان، فأما الظاهران، فالنيل والفرات، وأما الباطنان، فنهران في الجنة، فأُتِيتُ بثلاثة أقداحٍ: قدح فيه لبن، وقدح فيه عسل، وقدح فيه خمر، فأخذتُ الذي فيه اللبن فشرِبت، فقيل لي: أصبت الفطرة، أنت وأمَّتك))[19].
[1] ينظر: "الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي، (ت: 393هـ)، تحقيق: أحمد عبدالغفور عطار، (دار العلم للملايين - بيروت)، ط 4، 1407 هـ - 1987 م، (ج5/ص2094).
[2] زهير بن أبي سلمى، ربيعة بن رباح المزني، ثالث فحول الطبقة الأولى من الجاهلية، وأعفهم قولاً، وأوجزهم لفظًا، وأغزرهم حكمة، وأكثرهم تهذيبًا لشعره، نشأ في غطفان، وإن كان نسبه في مزينة، من بيتٍ جلُّ أهلِه شعراء رجالاً ونساءً، واختص زهير بالمدح، وعُمِّر زهير، ومات قبل البعثة بسنة؛ (أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي (ت:1362هـ)، جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب، (مؤسسة المعارف - بيروت)، (ج2/ص46 - 134).
[3] ديوان زهير بن أبي سلمى، (ج1ص8).
[4] محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل، جمال الدين بن منظور الأنصاري الرُّوَيفعي الإفريقي، لسان العرب، (ت: 711هـ)، (دار صادر - بيروت)،ط3، 1414 هـ، (ج13 ص100).
[5] عبدالعزيز بن صالح بن إبراهيم الطويان، جهود الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف، (الرياض - المملكة العربية السعودية - مكتبة العبيكان)، ط1، 1419، 1999، (ج2/ص498).
[6] مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، (ت:261هـ)، صحيح مسلم (دار إحياء التراث العربي - بيروت)، كتاب الجنة وصفة نعيمها، رقم الحديث: 2824، (ج4 /ص2174).
[7] نخبة من العلماء، أصول الدين في ضوء الكتاب والسنة، (وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية)، ط1، 1421هـ، (ج1/ص238).
[8] محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد، شمس الدين بن القيم الجوزية، القصيدة النونية، (مكتبة ابن تيمية - القاهرة)، ط2، 1417هـ، (ج1/ص327)، وأحمد بن إبراهيم بن حمد بن محمد بن حمد بن عبدالله بن عيسى، توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة ابن القيم، (المكتب الإسلامي - بيروت)، ط3، 1406 (ج2 /ص526).
[9] مسروق بن الأجدع، وهو ابن عبدالرحمن الهمداني، أبو عائشة، كوفي، قال أبو نعيم: مات سنة ثنتين وستين، وانظر: (محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، (ت:256هـ)، التاريخ الكبير، (دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد - الدكن)، (ج8/ ص35).
[10] محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين، ابن القيم الجوزية، (ت:751هـ)، حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، (مطبعة المدني - القاهرة)، (ج1/ص179).
[11] حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، (مصدر سابق)، (ج1/ص121).
[12] حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، (مصدر سابق)، (ج1 /ص121).
[13] حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، (مصدر سابق)، (ج1 /ص121).
[14] الجامع الصحيح المختار، محمد بن إسماعيل، أبو عبدالله البخاري الجعفي، تحقيق: د/ مصطفى ديب البغا، باب سورة الكوثر، رقم الحديث: 4682، (ج4/ص1400).
[15] أحمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد بن حنبل، المحقق: شعيب الأرنؤوط وآخرون (مؤسسة الرسالة)، ط2، 1420هـ،، 1999م، (ج4/ص220) رقم الحديث: 2390
[16] ناصر بن علي عايض حسن الشيخ، مباحث العقيدة في سورة الزمر، (مكتبة الرشد - الرياض - المملكة العربية السعودية)، ط1، 1415هـ، (ج1/ص684).
[17] يسمى البيذخ والبيدح كما في الحديث النبوي الشريف.
[18] مسند الإمام أحمد بن حنبل، مصدر سابق، (ج19/ص379)، رقم الحديث: 1238
[19] صحيح البخاري، مصدر سابق، (ج7/ص109)، رقم الحديث 5610/، باب، شرب اللبن.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|