أصل الملائكة
أصل الملائكة
عندما يتم الحديث عن أصل الملائكة وعن كونهم مخيرين أم مسيرين لا تجد أحد ممن يجيب على التساؤلات يجيب من كتاب الله وإنما كله يعتمد على الروايات التى هى :
أحاديث آحاد ظنية لا يمكن لأحد أن يقول أنها أقوال الرسول(ص) أو المؤمنين فى عصره يقينا كما جاء فى كتب أهل الحديث والفقه
بالطبع الاجابة الجاهزة هى:
اصل الملائكة النور طبقا للرواية التى نقلت عن أم المؤمنين عائشة حيث قالت:
" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم." رواه مسلم
وفى رواية أخرى مخلوقة من الله مباشرة من نور ذراعيه وصدره حيث نسب عبد الله بن أحمد بن حنبل فى كتاب السنة (1084) إلى عبد الله بن عمرو الرواية التالية:
"عن هِشَام بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَلَائِكَةَ مِنْ نُورِ الذِّرَاعَيْنِ وَالصَّدْرِ .
وقالوا عن هذه الرواية :
" الإسناد وإن كان رواته ثقات، إلا أنه موقوف على عبد الله بن عمرو وليس منسوبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم."
وعندما نعود إلى كتاب الله لا نجد الله يتكلم عن خلق الملائكة إطلاقا لا من نور ولا من غيره
السؤال :
هل نسى الله ذلك وكتابه كما قال " تبيانا لكل شىء"؟
بالطبع الله لم ينس شىء كما قال سبحانه " وما كان ربك نسيا"
الملائكة ليسوا نوع من أنواع الخلق وإنما هم فصيل من الجن اختارهم الله منهم كما اختار رسل البشر
الأدلة :
الأول أن الملاك المتمرد إبليس كان جنيا كما قال سبحانه :
"وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه"
والمأمورون بالسجود لآدم(ص) كانت الملائكة ومنهم إبليس ومن ثم لا يمكن أن يكونوا إلا جنا
الثانى :
أن الناس وهم البشر جعلوا بين الله وبين الجن نسب والمقصود أنهم قالوا أن الملائكة ولد الله وهم بنات الله وفى هذا قال سبحانه:
"فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون اصطفى البنات على البنين ما لكم كيف تحكمون أفلا تذكرون أم لكم سلطان مبين فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة أنهم لمحضرون"
ولا يوجد فى كتاب الله سوى نسبة الملائكة إلى الله كبنات وهو النسب الذى جعله كفار قريش بينه وبين الجنة
الثالث :
النوعان المخيران هما الإنس والجن كما قال سبحانه :
" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون "
ومن ثم هم من يدخلون الجنة والنار ولذا نجد الله توعد من يقول من الملائكة أنه إله بدخول النار حيث قال :
"وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إنى إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزى الظالمين"
فهل المجبر يدخل النار أم المخير ؟
بالطبع المخير والملائكة مخيرة
ومن يدخل جهنم هم الإنس والجن فدل على هذا أنهم من الجن كما قال سبحانه :
"ولقد ذرأنا لجهنم كثير من الجن والإنس"
الرابع أن النور ينتج عن النار فالنار هى التى تنير والمقصود تضىء المكان كما قال سبحانه :
"مثلهم كمثل الذى استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم"
فهنا النار التى أضاءت هى النور الذى ذهب
كما أن نور الكوكب الدرى ناتج من الوقود وهو النار " النار ذات الوقود" كما قال سبحانه :
" مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح فى زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درى يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار نور على نور"
والأدلة على كون الملائكة مخيرى وليست مسيرة هى :
ألأول اعتراضهم على خلق آدم (ص) حيث قالوا كما حكى الله عنهم :
"أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء "
فلو كانوا مجبرين ما أعلنوا اعتراضهم لله على خلق آدم(ص)
الثانى افتخارهم وهو تزكيتهم أنفسهم بأنهم يسبحون الله وهو قولهم :
" ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك"
وبالطبع لا يفتخر ويمن على الخالق سوى المخير الذى يمكنه الكفر وفعل ما حرم الله
الثالث توبتهم من الاعتراض باعلانهم أنهم جهلة إلا بما علمهم الله كما قال سبحانه على لسانهم :
"قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم"
فالمجبر لا يتوب لأنه لا يخطىء
الرابع أن من يقل من الملائكة أنه إله يدخل جهنم وفى هذا قال سبحانه :
"وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إنى إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزى الظالمين"
ولا يدخل جهنم إلا المخيرين وهم الجن والإنس كما قال سبحانه :
"ولقد ذرأنا لجهنم كثير من الجن والإنس"
الخامس اختصام الملأ الأعلى وهم الملائكة يثبت أنهم مخيرين وفى هذا قال سبحانه:
" ما كان لى من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون"
فالمجبر لا يمكن أن يختصم والمقصود يختلف مع غيره فى قضية لأن القضايا كلها عنده واضحة من خلال أوامر الله له ولا يمكن له عصيانها
السادس خوف الملائكة من الله فلو كان مجبرين لن يخافوا لأن ليس لهم ثواب ولا عقاب وإنما من يخاف هو المخير المسلم كما قال سبحانه :
"ولله يسجد ما فى السموات وما فى الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون"
أجنحة الملائكة :
ومن المسائل المتعلقة بالملائكة الأجنحة فالروايات تقول أنهم لهم أجنحة كثيرة حتى أنها هناك رواية تقول أن لأحدهم ستمائة جناح وفى رواية ألف جناح فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "رأى جبريل في صورته وله ستمائة جَناح، كل جَناح منها قد سد الأفق، يسقط من جناحه التهاويل من الدر واليواقيت"
وهو ما ينفيه كتاب فأكثر عدد من الأجنحة أربعة وهو قوله سبحانه :
" الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "
أكل وشرب الملائكة :
من الأقوال الشائعة أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون وقد استدلوا على هذا بأنهم لم يأكلوا عند إبراهيم(ص) ولا يوجد فى الآية أى شىء يدل على عدم الأكل فالمذكور أن أيديهم لم تصل إلى الطعام والمقصود لم تمتد إلى لحم العجل فى قوله سبحانه :
" فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ "
وعدم أكلهم لم يكن بسبب أنهم لا يأكلون ولا يشربون وإنما لأن مهمتهم ألأصلية كانت الذهاب لاهلاك قوم لوط(ص) كما قال سبحانه :
"قال فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته قدرنا إنها من الغابرين"
فهم لم يأتوا للأكل والشرب وإنما أتوا لمهمة محددة ونجد أنهم لم يستدلوا بقوله سبحانه :
" فلما جاء آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون"
فهو نفس ما حدث من إبراهيم(ص) وهو إنكار الملائكة فلوط(ص) أنكرهم لأن كل من حولهم من الناس يعلمون بأن من يدخل القرية لابد أن يزنى أو يغتصب من قبل أهل القرية ولأنه تضايق لأنه لا يقدر على حماتهم من أذى قومه
وإنكار إبراهيم(ص) وهو استغرابه من عدم أكلهم هو لأن الضيوف يأكلون وأما هؤلاء فلم يمدوا أيديهم لأنهم كانوا ذاهبين لقوم لوط(ص)لاهلاكهم
وكل المخلوقات تأكل وتشرب لأنها إذا لم تكن فقد أشبهت خالقها وهو ما نفاه الله بأنه لا يوجه شبيه له فى شىء كما قال :
" ليس كمثله شىء"
وطالما الملائكة مخيرة فهى تدخل تحت حكم الله ومنه:
" كلوا واشربوا ولا تسرفوا "
وقد غاب عن القوم رواية تقول أن لا أحد ليس له الصوم إلا الله وهى :
"كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، إلى سَبْع مِائَة ضِعْفٍ، قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إلَّا الصَّوْمَ؛ فإنَّه لي، وَأَنَا أَجْزِي به، "
والمقصود جملة "إلَّا الصَّوْمَ؛ فإنَّه لي، وَأَنَا أَجْزِي به"
فطبقا لهذه الكلام الله لا يأكل ولا يشرب وحده أقول هذا رغم أن الرواية حسب تفسير الفقهاء تقول أن الاستثناء من الثواب فإنه يضاعف على العشرة والسبعمائة ومع هذا توجد تخالف تفسيرهم وهى رواية تحدد ثواب الصوم بعشر حسنات وهى :
«يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا"
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|