صمام الأمن والأمان إلى آخر الزمان
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ما ترك خيرًا إلا دلَّنا عليه، ولا ترك شرًّا إلا حذَّرنا منه.
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].
أما بعد:
فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسوله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار، ولا أمنَ بلا إيمان ولاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ.
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: 117].
قال ابن كثير في تفسيره:
ثم أخبر تعالى أنه لم يهلك قرية إلا وهي ظالمة [لنفسها ]، ولم يأت قرية مصلحة بأسه وعذابه قط، حتى يكونوا همالظالمين، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾ [هود: 101]، وقال: ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46]؛ انتهى كلامه.
عباد الله، إن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فضائلَ كثيرة لا تعد ولا تحصى؛ ومنها:
1) أنه سبب في خيرية أمة محمد صلى الله عليه وسلم:
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].
2) أنه سبب في الفلاح:
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سببٌ للفلاح؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104].
3) أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص صفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
قال سبحانه وتعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ... ﴾ [الأعراف: 157].
4) أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص صفات المؤمنين:
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71].
وقال الله تعالى: ﴿ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 112].
وقال سبحانه وتعالى: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 41].
5) أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب للنجاة من الهلاك:
﴿ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ [هود: 116، 117].
وقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: ((مثلُ القائم على حدود الله، والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرُّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرَقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا، هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا))؛ رواه البخاري.
6) أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المكفرات:
فعن حذيفة (رضي الله عنه) قال: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ (رضي الله عنه) فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي الْفِتْنَةِ كَمَا قَالَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: أَنَا، قَالَ: إِنَّكَ لَجَرِيءٌ، وَكَيْفَ؟ قَالَ: قَالَ قُلْتُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ: ((فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ، يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ)؛ رواه البخاري.
7) أن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر يزيد في الإيمان:
فعن أبي ذر (رضي الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يُصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويُجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى))؛ رواه مسلم.
8) أن الأمرَ بالمعروف سببٌ في كسب الأجر الكثير:
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبِعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبِعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا))؛ رواه مسلم، وكذلك في قوله: ((من دلَّ على خيرٍ فله مثل أجرِ فاعله)؛ رواه مسلم.
9) إن في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجاةً من إثم القول:
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114].
بارَك لي ولكم وللمسلمين في القرآن العظيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين، واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية الحمد لله الذي جعلنا مسلمين، وأعزَّنا بالإسلام، وفضَّلنا على كثيرٍ من العالمين تفضيلًا، وجعل لنا نورًا نمشي به في الأرض، الحمد لله الذي جعلنا في هذا البلد الأمين الذي يحكم بالدين، ويخدم الحرمين ويدين بالإسلام، ويحافظ على مصالح المواطنين والمقيمين والمسلمين والبشر أجمعين، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه.
عباد الله، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، صمام الأمن والأمان إلى آخر الزمان، ولقد عدَّ بعضُ علمائنا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الركن السادس من أركان الإسلام، تدبَّروا قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: 117].
عباد الله، إن المؤمن الحق يهتم بأمر مجتمعه ووطنه وأمته، وإن من أهم الأعمال التي تدل على حبه وإخلاصه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولكي يكون فعالًا مؤثرًا، فإن عليه أن يتبع الخطوات العملية التالية:
1) تعلم العلم من مصادره الموثوقة.
2) تعلم مهارات التأثير والتغيير في الأفكار والمشاعر والسلوك، ومن أهمها مهارات الاتصال والإقناع والتعليم والتدريب، والجذب والتوجيه والإرشاد والدعوة؛ قال الله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125].
3) تطبيق ما تعلمناه من العلم؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3].
4) نشر العلم الذي تعلَّمناه.
5) تعلم مهارات قياس الأثر.
6) التحلي بالأخلاق الحسنة.
7) خدمة المستفيد.
8) قضاء حوائج المستفيد الأساسية دون مَنٍّ أو أذى.
9) التخلق بالصبر والحلم والإيثار والحب والرحمة.
10) تحديد الأهداف بدقة.
11) اختيار الوسيلة المناسبة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
12) احترام المستفيد وقبوله كما هو.
13) اختيار التوقيت المناسب.
14) التدرج في التغيير
15) تهيئة المستفيد لقبول التغيير.
16) عدم استعجال النتائج.
17) الاستمرار والإصرار والتكرار مع تغيير الأسلوب والوسيلة.
18) تحفيز المستفيد للتغيير والاستمرار تحفيزًا ماديًّا ومعنويًّا.
19) مساعدة المستفيد للتخلص من البيئة السلبية وإيجاد بيئات إيجابية محفزة.
20) الدعاء للنفس بالتوفيق والهداية والإعانة والدعاء للمستفيد بالهداية.
عباد الله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل ابراهيم إنك حميد مجيد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خاتم المرسلين، وأقِم الصلاة.
مماقرأت
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|