تعظيم النبي ووجوب محبته وطاعته (3)
في تعريف النبوة والرسالة النبوَّة لغة:مشتقَّة من النَّبأ؛ وهو الخبر، كما في قال ابن منظور في "لسان العرب"[1]: النَّبأ: الخبر، والنبيءُ المخبر عن الله - عزَّ وجلَّ - لأنَّه أنبأ عنه، انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "كتاب النبوات"[2]:
وهو من النَّبأ، وأصله الهمزة، وقد قُرِئَ به، وهي قراءةُ نافعٍ، يقرأ (النبيء)، لكن لَمَّا كثُر استعماله لينت همزتُه، كما فعَل مثل ذلك في (الذرية) وفي (البرية)، وقد قِيلَ: هو من النبوِّ وهو العلوُّ، فمعنى النبي: المعلى الرفيع المنزلة، والتحقيق: أنَّ هذا المعنى داخلٌ في الأول، فمَن أنبأه الله وجعَلَه مُنبئًا عنه فلا يكون إلا رفيعَ القدر عليًّا.
وأمَّا لفظ العلوِّ والرفعة فلا يدلُّ على خُصوص النبوَّة؛ إذ كان هذا يُوصَف به مَن ليس بنبيٍّ، بل يُوصَف بأنَّه الأعلى؛ كما قال: ﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ﴾ [آل عمران: 139]، وقراءة الهمز قاطعةٌ بأنَّه مهموزٌ، وما رُوِيَ عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((أنا نبيُّ الله ولست بنبيءِ الله)) فما رأيت له إسنادًا لا مسندًا ولا مرسلاً، ولا رأيته في شيءٍ من كتب الحديث ولا السير المعروفة، ومثل هذا لا يُعتَمد عليه، واللفظان مُشتَرِكان في الاشتقاق الأكبر، فكلاهما فيه النون والباء، وفي هذا الهمزة، وفي هذا الحرف المعتل، لكنَّ الهمزة أشرف؛ فإنها أقوى...
وأيضًا فإنَّ تصريفه: أنبأ، ونبَّأ، ويُنبِئ بالهمزة، ولم يُستعمَلْ فيه نبَا يَنبُو، وإنما يُقال: هذا ينبو عنه، والماء ينبو عن القدم، إذا كان يجفو عنها، ويُقال: النبوة، وفي فلان نبوةٌ عنَّا؛ أي: مجانبة، فيجبُ القطع بأنَّ النبيَّ مأخوذٌ من الإنباء لا من النبوة، والله أعلم.
الرسالة لغةً:
الرسول في اللغة مشتقٌّ من الإرسال بمعنى: التوجيه، أو من الرَّسَل بمعنى التتابُع؛ قال ابن منظور: والإِرْسال: التوجيهُ، وقد أرْسلَ إليه، والاسم الرِّسالة والرَّسالة والرَّسُول والرَّسِيل، والرَّسول بمعنى الرِّسالة يُؤنَّث ويُذكَّر، وفي التنزيل العزيز ﴿ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 16] ولم يقل: رُسُل؛ لأَن فَعُولاً وفَعِيلاً يستوي فيهما المذكَّر والمؤنَّث والواحد والجمع؛ مثل عَدُوٍّ وصَدِيق، والجمع أَرْسُل ورُسُل ورُسْل ورُسَلاء... وقال أبو بكر بن الأنباري في قول المؤذن: "أشهد أن محمدًا رسول الله": أعلم وأُبَيِّنُ أنَّ محمدًا مُتابِعٌ للإخبار عن الله - عزَّ وجلَّ.
والرَّسول معناه في اللغة: الذي يُتابِعُ أخبار الذي بعثه أخْذًا من قولهم: جاءت الإِبل رَسَلاً؛ أي: متتابعة.
وقال أبو إِسحاق النحوي في قوله - عزَّ وجلَّ - حكاية عن موسى وأَخيه: ﴿ فَقُولاَ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 16] معناه: إنَّا رِسالة رَبِّ العالمين؛ أي: ذَوَا رِسالة ربِّ العالمين... وسُمِّي الرَّسولُ رسولاً لأنَّه ذو رَسُول؛ أي: ذو رِسالة، والرَّسول اسم من أرسلت، وكذلك الرِّسالة ويُقال: جاءت الإِبل أرسالاً، إِذا جاء منها رَسَلٌ بعد رَسَل، والإبل إذا وَرَدتِ الماء وهي كثيرةٌ، فإنَّ القَيِّم بها يُورِدُها الحوض رَسَلاً بعد رَسَل، ولا يُورِدُها جملةً فتزدحم على الحوض، ولا تروى، وأَرسلت فلانًا في رسالةٍ فهو مُرْسَل ورَسول، وقوله - عزَّ وجلَّ - ﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ ﴾ [الفرقان: 37]، قال الزجاج: يَدُلُّ هذا اللفظ على أنَّ قوم نوح قد كَذَّبوا غير نوح - عليه السَّلام - بقوله: ﴿ الرُّسُلَ ﴾، ويجوز أَنْ يُعْنَى به نوح وحدَه؛ لأَنَّ مَن كَذَّبَ بنبيٍّ فقد كَذَّبَ بجميع الأَنبياء؛ لأَنه مخالفٌ للأَنبياء؛ لأَن الأَنبياء - عليهم السلام - يُؤمِنون بالله وبجميع رُسُلِه، ويجوز أَنْ يكونَ يعني به الواحد، ويذكر لفظ الجنس كقولك: "أَنت ممَّن يُنْفِق الدراهم"؛ أَي: ممَّن نَفَقَتُه من هذا الجِنس.
تعريف النبيِّ والرسول اصطلاحًا:
فرَّق كثيرٌ من العلماء بين النبيِّ والرسول، واختلفوا في ذلك، ولعلَّ الأقرب للصواب - والله أعلم - أنَّ النبوَّة أعم من الرِّسالة، فكلُّ رسولٍ نبيٌّ، وليس كلُّ نبيٍّ رسولاً.
والنبي: مَن نبَّأه الله بشَرْعٍ سابق يُنذر به أهل ذلك الشَّرع، وقد يُؤمَر بتبليغ بعضِ الأوامر، وتكون له مواعظ ونصائح ووَصايا، وهذا كما في أنبياء بني إسرائيل، فلم يأتِ أحدٌ منهم بشريعةٍ غير شريعة التوراة، ولم يأتِ أحدٌ منهم بشرعٍ جديدٍ ناسخٍ للتوراة.
وأمَّا الرَّسول فهو مَن بعَثَه الله بشرعٍ وأمَرَه بتبليغه، وربما نسخ الشريعة السابقة، وربما أُرسِلَ بكتابٍ جديدٍ.
المبحث الثاني في بشريَّة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم والمقصود بهذا المبحث - على إيجازه - بيانُ أنَّ الرَّسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان بشرًا، فلم يخرُج عن نطاق البشريَّة، إنما خصَّه الله - عزَّ وجلَّ - بالوحي دُون غيره، وهو لا يملِك لنفْسه نفعًا ولا ضرًّا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا.
وقد مرَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بمراحل البشريَّة؛ فكان حملاً شريفًا مُبارَكًا في بطن أمِّه، ثم وُلِدَ وصار رضيعًا، فالتقَمَ الثدي، ثم شبَّ وكبر، فأكَل وشَرِبَ، وباعَ واشتَرَى، وأصابَه الحرُّ والبرد، والجوع والعطَش، وتزوَّج ووُلِدَ له، فصارَ أبًا، وصار جدًّا له أحفادٌ لاعبَهُم ومازَحَهُم وأحبَّهُم، ثم لما بلَغ أجلَه المسمَّى مرض ومات ودُفِنَ، وفاضَتْ رُوحُه الشريفة للرَّفيق الأعلى، ووُضِعَ بدنُه الطاهر النقي في بيت عائشة.
وقد بيَّن القُرآن ذلك أعظمَ بيان وأوضحه:
فقال - تعالى -: ﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [إبراهيم: 11].
وقال - تعالى -: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لاَ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 7، 8].
وقال - تعالى -: ﴿ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلاَ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُورًا ﴾ [الفرقان: 7، 8].
وقال - تعالى -: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴾ [الفرقان: 20].
وقال - تعالى -: ﴿ وَقَالُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [العنكبوت: 50].
وقال - تعالى -: ﴿ قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الملك: 26].
وقال - تعالى -: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [ص: 65].
وقال - تعالى -: ﴿ مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ * إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [ص: 69، 70].
وقال - تعالى -: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].
وقال - تعالى -: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾ [فصلت: 6].
وقال - تعالى -: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الحج: 49].
وقال - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [النمل: 91، 92].
وقال - تعالى -: ﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [هود: 12].
وقال - تعالى -: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ [الرعد: 7].
وقال - تعالى -: ﴿ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الأحقاف: 9].
وقال - تعالى -: ﴿ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لاَ أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ * قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ * قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 56 - 58].
وقد وصَفَه الله - عزَّ وجلَّ - وأثنى عليه بالعبوديَّة في أشرف المقامات وأسماها:
فقال - تعالى -: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 23].
وقال - تعالى -: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنفال: 41].
وقال - تعالى -: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 104].
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 123].
وقال - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلاَ أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ ﴾ [الرعد: 36].
وقال - تعالى -: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99].
وقال - تعالى -: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].
وقال - تعالى -: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1].
وقال - تعالى -: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1].
وقال - تعالى -: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴾ [الزمر: 2].
وقال - تعالى -: ﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي ﴾ [الزمر: 11 - 14].
وقال - تعالى -: ﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ * وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الزمر: 64 - 66].
وقال - تعالى -: ﴿ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [غافر: 66].
وقال - تعالى -: ﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ [النجم: 10].
وقال - تعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 9].
وقال - تعالى -: ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴾ [الجن: 19].
المبحث الثالث في أنَّ النبوة اصطفاءٌ إلهيٌّ قال - تعالى -: ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [الحج: 75].
قال ابن كثير - رحمه الله -:
يُخبِر - تعالى - أنَّه يختارُ من الملائكة رُسُلاً فيما يَشاء من شرعه وقَدَرِه ومن الناس؛ لإبلاغ رِسالاته، ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [الحج: 75]؛ أي: سميعٌ لأقوالِ عباده، بصيرٌ بهم، عليمٌ بِمَن يستحقُّ ذلك منهم؛ كما قال: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124].
وقال - تعالى -: ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [البقرة: 130].
وقال - تعالى -: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 247].
وقال - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 33].
وقال - تعالى -: ﴿ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 144].
وقال - تعالى -: ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [النمل: 59].
وقال - تعالى -: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [القصص: 68].
وقال - تعالى -: ﴿ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ ﴾ [الأنعام: 124].
قال ابن كثير - رحمه الله -:
وقوله: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124]؛ أي: هو أعلَمُ حيث يضع رسالته ومَن يصلح لها من خلقه، كما قال - تعالى -: ﴿ وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ﴾ [الزخرف: 31، 32]؛ يعنون: لولا نزل هذا القُرآن على رجلٍ عظيم كبيرٍ مُبجَّل في أعيُنهم ﴿ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ ﴾؛ أي: مكة والطائف؛ وذلك لأنهم - قبَّحَهُم الله - كانوا يزدَرُون بالرَّسول - صلوات الله وسلامُه عليه - بغيًا وحسدًا، وعنادًا واستكبارًا؛ كما قال - تعالى - مخبرًا عنهم: ﴿ وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ [الأنبياء: 36]، وقال - تعالى -: ﴿ وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً ﴾ [الفرقان: 41].
وقال - تعالى -: ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [الأنعام: 10].
هذا وهم يعترفون بفضْله وشرَفه ونسَبه، وطهارةِ بيته ومرباه ومَنشَئِه، حتى إنهم كانوا يُسمُّونه بينهم قبلَ أنْ يُوحَى إليه: (الأمين).
وقد اعترف بذلك رئيسُ الكفَّار (أبو سفيان) حِين سأَلَه (هرقل) مَلِكُ الروم: كيف نسَبُه فيكم؟ قال: هو فينا ذو نسب، قال: هل كُنتم تتَّهمونه بالكذب قبل أنْ يقول ما قال؟ قال: لا... الحديث بطوله الذي استدلَّ به مَلِكُ الرُّوم بطهارة صِفاته - صلَّى الله عليه وسلَّم - على صِدقه ونبوَّته وصحَّة ما جاء به.
وروى مسلمٌ عن واثلة بن الأسقع - رضِي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيلَ، واصطفى من بني إسماعيل بني كِنانة، واصطفى من بني كِنانة قُريشًا، واصطَفى من قريش بني هاشم، واصطَفاني من بني هاشم))[3].
وفي "صحيح البخاري" عن أبي هُريرة - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بُعِثتُ من خير قُرون بني آدم قَرْنًا فقَرْنًا، حتى بُعِثتُ من القرن الذي كنت فيه))[4].
وروى الإمام أحمد[5] عن عبدالله بن مسعود - رضِي الله عنه - قال: إنَّ الله نظَر في قُلوب العباد، فوجَد قلبَ محمدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - خيرَ قلوب العباد، فاصطَفاه لنفسه فابتَعَثه برسالته، ثم نظَر في قُلوب العِباد بعدَ قلب محمَّدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فوجد قُلوبَ أصحابه خيرَ قلوب العباد، فجعلهم وُزَراء نبيِّه، يُقاتِلون على دِينه، فما رأى المسلمون حسنًا فهو عند الله حسنٌ، وما رأوا سيِّئًا فهو عند الله سيِّئ.
وذكَر ابن أبي حاتم [6] في تفسير هذه الآية: ذُكِرَ عن محمد بن منصور الجواز، حدثنا سفيان، عن ابن أبي حسين قال: أبصر رجلٌ ابنَ عباس وهو يدخُل من باب المسجد فلمَّا نظَر إليه راعَه، فقال: مَن هذا؟ قالوا: ابن عباس ابن عمِّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|