استدعاء معقل بن يسار إلى زمن العولمة
أشعر بك وأنت تقرأ العنوان تتساءل: من هو "معقل بن يسار" الذي يطل علينا في زمن العولمة؟ إنه رجل جمع الله فيه صفات القوة والشجاعة والبأس الشديد والجلد والصبر على المحن جنبًا إلى جنب مع الحكمة والبصيرة والتفكر وحسن القيادة والإدارة وسياسة الناس، فتأهل لأعمال عظيمة، وتبوأ مناصب جليلة، وأوكلت إليه مهام كبرى.
"معقل بن يسار" هو صحابي جليل من صحابة النبي الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه، وهو من أهل بيعة الرضوان، ومن رواة الحديث عن النبي الكريم، ولاه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولاية البصرة، ومن أعماله العظيمة في ولايته حفر نهر معقل، وقد مات بها في خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عن جميع الصحابة الكرام.
حكاية معقل مع الوحي:
يحكي "معقل بن يسار" عن حادثة لها مدلولات وحكم سديدة كم نحتاجها في زمن العولمة، يقول رضي الله عنه: "كانت لي أخت تخطب وأمنعها الناس، حتى خطب إلي ابن عم لي فأنكحتها، فاصطحبا ما شاء الله، ثم إنه طلقها طلاقًا له رجعة، ثم تركها حتى انقضت عدتها، ثم خطبت إلي (أي طلبت مني للزواج)، فأتاني يخطبها مع الخطاب، فقلت له: خطبت إلي فمنعتها الناس، فآثرتك بها، ثم طلقت طلاقًا لك فيه رجعة، فلما خُطبت إلي أتيتني تخطبها مع الخطاب! والله لا أنكحكها أبدًا! قال: ففي نـزلت الآية: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 232]، قال: فكفرت عن يميني، وأنكحتها إياه"[1].
وتذكر رواية قتادة لنفس الحادثة: "وذكر لنا أن نبي الله، لما نـزلت هذه الآية، دعاه فتلاها عليه، فترك الحمية واستقاد لأمر الله"[2].
إطلالات معقل الحكيمة:
1- لقد تعلم معقل من الوحي ألا يليق بأولياء المرأة منعها من الحلال المباح والتفريق بينها وبين زوجها السابق على ما بينهما من ود ومحبة عكر صفوها بعض الملاحاة والشجار الذي قد يحدث في أي بيت وأسرة، خاصة وأن الزوج رجل صدق وأن المرأة تحب الرجعة إليه.
2- لقد علمنا معقل أن الرجوع إلى الحق فضيلة، فبعد أن غلبت عليه نفسه بدعاوى الإباء والانفة والحمية واحسبها أنواع من الكبر (والله لا أنكحكها)، دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول الآية الكريمة (فلا تعضلوهن)، وتلاها عليه، قال: الآن أفعل يا رسول الله. منتهى التسليم والخضوع لأمر الله.
والعضل هو الامتناع عن تزويج الفتاة أو المرأة للكفء الصالح صاحب الخلق والدين سواء يتقدم لأول مرة أو الرجل الذي طلق زوجته يريد ان يراجعها بعد انقضاء عدتها.
3- استجابة معقل الرائعة للوحي (الآن أفعل يا رسول الله) تدعو المجتمع للحياة بشرع الله الذي فيه الأمان والنماء والخير والسعادة والسكينة وتعمير الكون وسلامة العلاقات.. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 24].
ليس للمؤمن ولا المؤمنة خيار أمام شرع الله وحكم الله إلا الإذعان والتسليم للخالق العظيم والائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه؛ ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].
4- إذعان معقل الرائع للوحي إدراك واعي بحقيقة التوحيد والألوهية ومقتضياتها فالإنسان مخلوق للعبادة والطاعة فإن لم يطع مولاه وخالقه من خلال الوحي، أطاع اجناساً من الألهة الباطلة وإن لم يدر ومن هذه الالهة المزعومة الأهواء؛ ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23].
ما أحوجنا ان نستلهم هذه المعاني والدروس الرائعة من خلال رجوعنا لكتاب ربنا وهدي نبينا والاقتداء بنجومنا الساطعة من صحابة المصطفى وجعل الدين نبراساً وهاديا بنوره في ظلمات ومتاهات الحياة.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|