كيف تمكن حمزة من انتزاع مفاتيح البرلمان والحكومة الإسكتلندية؟!
«إنه يوم فخر بالنسبة لي، وأتمنى أن يكون كذلك بالنسبة لجميع الإسكتلنديين، لأن هذا يؤكد قيمنا كبلد، يتولى فيه مسلم تسيير دولة ديمقراطية غربية لأول مرة». بهذه الكلمات المؤثرة أعرب رئيس وزراء إسكتلندا الجديد حمزة يوسف، 37 عاماً، عن سروره بتقلده هذا المنصب في 28 مارس.
هكذا تعلق حمزة بالسياسة في وقت مبكر من العمر، فانتزع مفتاح أبواب البرلمان الإسكتلندي في عمر السادسة والعشرين قبل أن يتقلد من بعدها منصبين وزاريين، وها هو اليوم يُنتخب رئيس وزراء للبلاد كأول مسلم يتولى هذه المسؤولية. إنه حمزة يوسف، الباكستاني الأصل الذي وصل جداه لأبيه إلى إسكتلندا قبل 60 عاماً. فما الذي نعرفه عنه؟
وأدى يوسف اليمين رئيسا لوزراء إسكتلندا الأربعاء ليصبح أول مسلم يصل إلى هذا المنصب في ذلك البلد. وكان يرتدي أثناء مراسم التنصيب زياً تقليدياً باكستانياً عبارة عن قميص طويل وسروال، وكلاهما لونه أسود، في مراسم أقيمت في المحكمة المدنية العليا في إدنبرة، بحضور زوجته، التي ذرفت الدموع تأثراً بهذا الحدث، وأبنائه ووالديه. وتعهد رئيس الوزراء الجديد «خدمة جلالة الملك تشارلز بأمانة»، رغم أنه من مؤيدي التخلي عن الملكية والدخول في نظام جمهوري، يخول انتخاب رئيس لإسكتلندا.
وفي اتصال هاتفي معه، هنأ رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك حمزة يوسف فور انتخاب البرلمان الإسكتلندي له بعد فوزه بزعامة الحزب الوطني الإسكتلندي الثلاثاء. وعلق يوسف على هذا الاتصال بأنه كان «بناء»، لكن أفكاره «الاستقلالية» كانت حاضرة خلال هذه المكالمة حيث شدد لسوناك على ضرورة احترام لندن: «الرغبات الديمقراطية لشعب إسكتلندا وبرلمانها».
وجاء فوزه على حساب وزيرة المالية السابقة كيت فوربس بعد حصده 52 صوتا مقابل 48 من أصوات أعضاء الحزب الوطني الإسكتلندي الداعي للاستقلال. وتقدم عليها في الانتخاب الداخلي بفضل اعتماده خطاباً تقدمياً، ليصبح أيضاً أصغر زعيم لهذه الهيئة السياسية. وأُشيد في مناسبات مختلفة بمهاراته في التواصل لتوحيد صفوفها.
وتعلق يوسف بالسياسة مبكراً، إذ أصبح برلمانياً ثم وزيراً في 2012 عن عمر 26 عاماً، وكان وقتها أول وزير مسلم في حكومة إسكتلندية. وعين في بداية مساره الحكومي وزيرا للعدل قبل أن يتولى منصب وزارة الصحة في عهد حكومة نيكولا سترجون الأخيرة، التي استقالت عقب ثماني سنوات من الحكم.
وبالإضافة إلى كونه أول مسلم يرأس وزراء إسكتلندا، فهو يدخل التاريخ أيضا لكونه أصغر رئيس حكومة يقود هذا البلد، ويعد اليوم من القادة الشباب القلائل في العالم.
لقد وصل جداه لأبيه إلى إسكتلندا قبل 60 عاماً قادمين من باكستان. «لم يكن بإمكانهما أن يتصورا إطلاقاً أن حفيدهما سيصبح يوما ما رئيس وزراء إسكتلندا الجديد»، يعلق يوسف محتفياً بهذا الإنجاز الذي حققه وبجذوره الباكستانية.
وفي إشارة لسياسات لندن تجاه الهجرة، يضيف: «يذكرنا ذلك بأنه علينا الاحتفاء بالمهاجرين الذين يقدمون مساهمات كبيرة في بلدنا»، علماً أن بريطانيا ترغب في تشديد شروط اللجوء في المملكة المتحدة.
وولد حمزة يوسف في مدينة غلاسكو أكبر المدن الإسكتلندية، وتلقى تعليمه في مدرسة خاصة ثم نال شهادة في العلوم السياسية من جامعة مدينته، قبل أن يصبح مساعداً لأليكس سالموند، سلف ستورجن في زعامة الحزب الوطني الإسكتلندي.
ولم يمر ظهوره على الساحة السياسية في بلاده، بدون ردود فعل عنصرية. ويتذكر هذه الفترة مشيراً إلى أنه تعرض لهجمات وتعليقات عنصرية، خاصة في فترة ما بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. وقال «لقد تعرضت لكم هائل من الهجمات على الإنترنت، وللأسف أحياناً وجهاً لوجه». وكل هذا لم يوقف طموحه في الوصول إلى أعلى المناصب.
وفي عام 2021، رفعت زوجته شكوى بتهمة التمييز ضد حضانة رفضت استقبال ابنتهما. وأنكرت دار الحضانة هذه الاتهامات، لكن الهيئة المسؤولة عن عمليات التدقيق وجدت الشكوى مبررة إلا أن الزوجين تنازلا عن الدعوى.
ويؤكد يوسف أن تجربته الخاصة ستقوده للدفاع عن حقوق جميع الأقليات بما في ذلك المثليون والمتحولون جنسياً. ووعد بأنه لن يشرع قوانين وفقاً لعقيدته.
وتنتظرحمزة مهمة صعبة على رأس البلاد، التي يمر نظامها الصحي، المسؤول عنه سابقاً، والتعليم بأزمات. وتعرض أداؤه في الحكومة السابقة لانتقادات شديدة، فيما يختار أن يجسد «الاستمرارية» لسياسة رئيسة الوزراء السابقة نيكولا ستورجن.
وأكد أنه سيبقى على اتصال وثيق بها لاستشارتها، متعهداً في الوقت نفسه بقيادة البلاد في إطار حكم يجمع الكل، «ولا يكون مقتصراً على مجموعة ضيقة». ويعد يوسف حمزة من المقربين لرئيسة الوزراء السابقة، ولربما هذا هو السبب لنيل أكبر عدد من أصوات حزبه.
ويقول مثنياً على تجربتها: «من الصعب تعويضها»، متعهداً بالعمل على أن يكون لبلاده «صوت تقدمي على الساحة العالمية». ووفاء لأفكاره اليسارية حول الاقتصاد خاصة، يأمل في رفع الضرائب على الأغنياء.
وكانت ستورجن علقت على تنافس يوسف حمزة مع وزيرة المالية السابقة كيت فوربس بالقول: «مهما كانت النتيجة فإنها ستبعث رسالة قوية، مفادها أن أي شاب في إسكتلندا يمكنه أن يطمح لتولي أعلى منصب في البلاد».
واستطاع يوسف أن يستقطب أكبر عدد من الأصوات في حزبه المحسوب على اليسار، لأنه يقدم نفسه كحداثي، بينما عرفت منافسته كيت فوربس بأفكارها المحافظة، خاصة ضد زواج المثليين والإجهاض.
وتعهد يوسف حمزة أن يكون من «جيل الذين سينالون الاستقلال»، معتبراً أن «الشعب الإسكتلندي في حاجة إلى الاستقلال الآن قبل أي وقت مضى». لكنه تولى رئاسة الوزراء في توقيت تمر فيه معركة الانفصال عن بريطانيا بمرحلة فراغ.