عبد المالك عبد القادر بن علي (المشهور بالطرابلسي) شخصية متعددة الجوانب والاهتمامات ولها بصمة واضحة في تاريخ ليبيا (مسقط رأسه)، وفي المملكة العربية السعودية حيث استقر منذ انتقاله إليها رفقة شيخه السيد أحمد الشريف السنوسي سنة 1343ه/1925م وحتى وفاته بمكة المكرمة سنة 1996.
الشيخ عبد المالك عبد القادر بن علي (المشهور بالطرابلسي)
مولده ونشأته
ولد سنة 1318هـ (1900م) في منطقة الجبل الأخضر بشرق ليبيا، وعندما بلغ السادسة من عمره أُدخل «الكُتّاب» بمدينة درنة، وتدرّج حتى حفظ القرآن الكريم وهو ابن الحادية عشر من عمره، وكان من ضمن مجموعة من التلاميذ النجباء الذين ابتعثتهم تركيا إلى الأستانة لمواصلة تعليمهم فيها سنة 1330هـ (1912م) مع انتهاء حكمها لليبيا وتوقيعها على معاهدة لوزان في 1912، التي تخلت الأستانة بموجبها عن ليبيا وسلمتها لإيطاليا. واصل تعليمه في تركيا حتى نال الشهادة الثانوية، وبسبب قيام الحرب العالمية الأولى سنة 1914م وانهيار الدولة العثمانية وتمزقها سنة 1918م تعطلت الحركة التعليمية في إسطنبول فتوقّف مشواره التعليمي الرسمي في تركيا عند ذلك الحد، ليبتديء مشواره التعليمي العملي بعد لقائه بالسيد أحمد الشريف، الذي مكث في معيّته وخدمته مدة خمسة عشر سنة في تركيا وسوريا والسعودية حتى توفي بالمدينة المنورة سنة 1351هـ (1933م)
لقاؤه بالسيد أحمد الشريف السنوسي
كان لقاؤه بقائد الجهاد الليبي والزعيم الثالث للحركة السنوسية السيد أحمد الشريف السنوسي في تركيا علامة فارقة ونقطة تحول عظيمة في مسار حياته فالتقى بالشيخ العالم المربي وقد بلغ أشده فنال من حكمته وعلمه وخلقه، وإذا كان طلاب العلم يرحلون إلى أساتذتهم فالطالب عبد المالك قد جاءه أستاذه، واصطفاه الشيخ بفراسته فلم يخب ظنه فيه، فجعله أميناً ورفيقاً ومستودع أسراره. وفي تلك المدة ظهرت تغيرات عظيمة في العالم وفي المنطقة العربية خصوصاً نتج عنها تغير موازين القوى في الحرب الكونية الأولى واضطرار تركيا للتنازل عن الدول الخاضعة لسيطرتها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كذلك فقد اضطر السيد أحمد الشريف حليف الدولة العثمانية إلى تسليم زعامة الطريقة السنوسية لابن عمه الأمير محمد ادريس السنوسي (ملك المملكة الليبية لاحقا)، ومن ثم إلى مغادرة ليبيا إلى تركيا في أغسطس 1918 حيث استقبل استقبالا حافلا وقلده السلطان محمد السادس السيف «علامة السلطنة» ومنحَه وساماً مجيدياً، وأنعم عليه برتبة الوزارة. وفيها التقى بالشاب عبد المالك بن علي واختاره سكرتيرا له ومترجما باللغة التركية، فلازمه منذ ذلك الحين طوال مدة مكثه في تركيا، فكان مع السيد أحمد الشريف في دعمه وشد أزر الأتراك في حربهم ضد الحلفاء واليونانيين عندما غزوا تركيا في 1920، وكان شاهد عيان على الانقلاب الذي قاده مصطفى كمال اتاتورك وإلغاء الخلافة العثمانية عام1924 م. والتحول الجذري في سياسة وتوجهات قادة تركيا الجدد الذين لم يعد للسيد أحمد الشريف مكان فيها بينهم، فأظهروا له العداء وضيقوا عليه الخناق حتى انتهى الأمر بإصدار المجلس الملي قراراً يلزمه بالإقامة الجبرية في قرية نائية في ولاية أضنة، أو مغادرة الأراضي التركية في مدة لا تتجاوز العشرة