لماذا يندم البعض ويتحسر يوم القيامة
ورد في غير آية من كتاب الله عز وجل أننه بعض العباد تندم وتتحسر يوم القيامة ويتمنون أن لو عادوا إلى الدنيا .. وهذه الحالة متكررة ذكرها الله تعالى في أكثر من موضع من كتابه عز وجل حتى إن من أسماء يوم القيامة يوم الحسرة، يقول تعالى: "وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ".. فما معنى الحسرة وما أسبابها؟
معنى الحسرة:
الحسرة: هي الندم البالغ الذي يصيب النفس الإنسانية حينما يفوتها خير لا يمكن تداركه، وحينما تلقى شيئاً لا تستطيع دفعه أما الندم فيكون حزناً على خير فاتَكَ، لكن يمكن تداركه، كالتلميذ الذي يخفق في امتحان شهر من الشهور فيندم، لكنه يمكنه تدارك هذا الإخفاق في الشهر التالي، أما إذا أخفق في امتحان آخر العام فإنه يندم ندماً شديداً، ويتحسَّر على عام فات لا يمكن تداركُ الخسارة فيه.
لذلك سيقول الكفار يوم القيامة: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ)[الأنعام: 31]. والمعنى: يا حسرتنا تعالَىْ فهذا أوانك، واحضري فقد فاتتْ الفرصة إلى غير رجعة. إذن: فيوم الحسرة هو يوم القيامة، حيث لن يعود أحدٌ ليتدارك ما فاته من الخير في الدنيا، وليتَ العقول تعي هذه الحقيقة، وتعمل لها وهي ما تزال في سَعَة الدنيا.
ومعنى: {إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ} [مريم: 39] أي: وقع وحدث، ولا يمكن تلافيه، ولم يَعُدْ هناك مجال لتدارُكِ ما فات؛ لأن الذي قضى هذا الأمر وحكم به هو الله تبارك وتعالى الذي لا يملك أحدٌ ردَّ أمرِه أو تأخيره عن موعده أو مناقشته فيه، فسبحانه، الأمر أمره، والقضاء قضاؤه، روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح ، فينادي منادٍ يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون ، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم ، وكلهم قد رآه. ويقال لأهل النار مثل ذلك ، فيذبح. ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويأهل النار خلود فلا موت".
وقد يستشكل البعض الحديث ظانين أن المراد بالموت ملك الموت ، وهذا الظن غير صحيح، فالمقصود نفس الموت، لذلك يخبر عنهم الحق تبارك وتعالى: { وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } [الزخرف: 77].ثم يقول تعالى: { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [مريم: 39].
معنى الغفلة:
الغفلة: أن يصرف الإنسان ذِهْنه عن الفكر في شيء واضح الدليل على صحته؛ لأن الحق ـ تبارك وتعالى ـ ما كان لِيُعذّب خَلْقه إلا وقد أظهر لهم الأدلة التي يستقبلها العقل الطبيعي فيؤمن بها، فالذي لا يؤمن ـ إذن ـ:إما غافل عن هذه الأدلة أو متغافل عنها أو جاحد لها، كما قال سبحانه: {وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل: 14].
ومن الغفلة غفلتهم عن الموت، وقد قالوا: من مات قامت قيامته.
الحكمة في إخفاء وقت الموت:
ومن حكمة الله أنْ أبهم الموت، أبهمه وقتاً، وأبهمه سبباً، وأبهمه مكاناً، فكان إبهام الموت هو عَيْن البيان للموت؛ لأن إبهامه يجعل الإنسان على استعداد للقائه في أيّ وقت، وبأيّ سبب، وفي أيّ مكان، فالموت يأتي غفلة؛ لأنه لا يتوقف على وقت أو سبب أو مكان. فالطفل يموت وهو في بطن أمه، ويموت بعد يوم، أو أيام من ولادته، ويموت بعد مائة عام، ويموت بسبب وبدون سبب، وقد نتعجَّب من موت أحدنا فجأة دون سبب ظاهر، فلم تصدمه سيارة، ولم يقع عليه جدار أو حجر، ولم يداهمه مرض، فما السبب؟ السبب هو الموت، إنه سيموت، أي أنه مات لأنه يموت، كما يقال: والموت من دون أسباب هو السبب.
أسباب الندم يوم القيامة:
ومن ثم فإن أسباب الندم يوم القيامة كثيرة تعود في المجمل لحلة التقصير في حق الله تعالى وعدم إدراك العبد ما يرجو به صلاحه ونجاته يوم العرض على الله وذلك بما يلي:
-التسويف في التوبة.
-اختلاق النزاعات.
-لاهتمام بالتوافه.
-إضاعة الوقت فيما لا طائل من ورائه.
-اعتياد المعصية.
-التكاسل عن الطاعات.
-الأماني الخادعة.
-مصاحبة الأشرار.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|