أزمة إسكان تجتاح برلين .. انحسارها المستبعد يزيد معاناة المستأجرين
في شوارع برلين الواسعة أصبحت الإعلانات التي يضعها المستأجرون اليائسون ممن يبحثون عن سكن مشهدا مألوفا وباتت الصفوف الطويلة لمعاينة الشقق لافتة للنظر رغم ارتفاع الإيجارات التي فاقت الرواتب بكثير في الأعوام القليلة الماضية.
وفي العاصمة الألمانية، حيث كانت الشقق الرخيصة والوفيرة نقطة جذب للفنانين والمهنيين الشباب منذ عقد من الزمان، أصبح معدل الشواغر الآن أقل من 1 في المائة.
وبينما تقول الحكومة المحلية إن برلين لديها مساحة كافية لبناء أكثر من 100 ألف شقة ليس هناك ما يشير إلى أن أزمة الإسكان التي تجتاح المدينة ستنحسر.
تقول مروة التي تلقت عرض عمل في يوليو كمحلل استراتيجي في إحدى شركات التكنولوجيا في ألمانيا إنها كانت متحمسة للانتقال من سان فرانسيسكو إلى برلين مع زوجها وابنتها لكنها تراجعت بعد أن وجدت أن استئجار شقة مكونة من غرفتي نوم سيستهلك أكثر من نصف راتبها.
وقالت مروة "90 في المائة من أسباب عدم قبول الوظيفة يرجع إلى صعوبة العثور على شقة وارتفاع تكلفة الإيجار"، وفقا لـ"رويترز".
وفي أعقاب سقوط جدار برلين 1989، عانت المدينة تخمة في المساكن استمرت لعقود من الزمن لكن عدد السكان أخذ في النمو منذ 2005 مع ارتفاع معدلات المواليد ومتوسط العمر المتوقع وزيادة الهجرة بحسب بيانات مكتب الإحصاء في برلين.
ويشكل الأجانب الآن 24 في المائة من السكان، وقد تضاعفت أعدادهم تقريبا بين 2011 و2023. وفي الأعوام السبعة الماضية، قفزت الإيجارات في برلين 44 في المائة بينما ارتفع متوسط الأجر في المدينة 30 في المائة فقط، حسبما تظهر البيانات الاتحادية والمحلية.
واستفادت ألمانيا منذ فترة طويلة من نسبة اقتراض منخفضة للغاية، التي أدت إلى طفرة في قطاع العقارات استمرت لعقد من الزمان، إلا أن القطاع الآن يصارع مع تحول كبير في الثروة.
وسجلت أكبر مجموعة عقارية في ألمانيا Vonovia خسائر وانخفاضا في قيمة الأصول تقدر بمليارات اليورو، كما يشهد نمو فرص العمل لعمال البناء ركودا غير مسبوق.
وتعد ألمانيا مهمة لأنها أكبر اقتصاد في أوروبا وأكبر سوق للاستثمار العقاري في القارة. ويشكل قطاع العقارات ما يقرب من خمس الناتج الإجمالي. كما يعمل 10 في المائة من الموظفين في البلاد في القطاع العقاري، وفقا لاتحاد العقارات الألماني.
وتراجعت أعمال البناء الجديدة في ألمانيا خلال النصف الأول من العام، حيث انخفضت بنسبة 47 في المائة مقارنة بمتوسط العامين الماضيين، وانخفضت تصاريح البناء الجديدة بنسبة 27 في المائة خلال الأشهر الخمسة من العام الجاري.
وانخفضت أسعار المساكن أيضا في الربع الأول بأكبر قدر منذ أن بدأ مكتب الإحصاء الألماني في الاحتفاظ بالبيانات، بانخفاض 6.8 في المائة عن العام السابق.
أبرز أسباب تباطؤ سوق العقارات كان العامل الرئيس هو الارتفاع المفاجئ والسريع في أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي، حيث لا يزال يحاول المركزي بقيادة كريستين لاجارد خفض التضخم، الذي وصل إلى أعلى مستوياته في عقود.
كما ارتفعت تكاليف البناء أيضا، وتضاءل الطلب على المكاتب ومحال البيع بالتجزئة بعد الوباء. كما انخفض الطلب على العقارات الألمانية من قبل المستثمرين الأجانب، بوصفها أكثر خطورة، بعد الحرب في أوكرانيا.