خطر النوب والمعاصي
بسم الله الرحمن الرحيم،
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه المحاضرة القيمة التي تفضل بها صاحب الفضيلة الدكتور سعود بن عبد الله...... فيما يتعلق بعواقب الذنوب وآثارها وشرها، ولقد أجاد وأفاد، جزاه الله خيرًا، وضاعف مثوبته، وزادنا وإياكم وإياه علمًا وهدى وتوفيقًا، ونفعنا جميعًا بما سمعنا وعلمنا، وأعاذنا وإياكم من شر الذنوب وعواقبها الوخيمة، وأعاذ المسلمين جميعًا من شرها وبلائها.
لا ريب أن الأمر مثل ما قال فضيلته شرها عظيم، الذنوب شرها عظيم، وعواقبها وخيمة في الدنيا والآخرة، ويكفي هذا المعنى تحذيرًا لنا قوله : وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، يخبر سبحانه أن ما أصاب الناس من المصائب في قلوبهم وفي أبدانهم وفي بلدانهم وفي حروثهم وفي غير ذلك فبما كسبت أيديهم وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ [الشورى:30]، مصيبة نكرة في سياق النفي مؤكدة بمن تعم المصائب كلها وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30]، يعني فأسبابها كسبنا، يعني أعمالنا ومعاصينا وسيئاتنا التي أسلفناها وفعلناها، ومع هذا يعفو عن كثير ، ليس كل الذنوب يؤخذ بها، بل هناك ذنوب يعفو عنها، ولا يترتب عليها عقوبة لأهلها فضلًا منه وإحسانًا جل وعلا، هذا يوجب للعاقل أن ينتبه، وأن يحذر شر أعماله وسيئاته، وأن يحاسب نفسه دائمًا أينما كان، لماذا فعل كذا؟ ولماذا فعل كذا؟ حتى يتوب إلى الله منه، حتى يعلم أنه أجرم وأذنب، أو يعلم أنه قصر، فيبادر بالتوبة.
فالعتاب للنفس والجهاد لها، والنظر في أعمالها أمر مهم أمر يترتب عليه صلاح أمر الدنيا والآخرة كما قال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18]، يعني: انظروا ماذا قدمتم للآخرة من أعمال، هل هي صالحة؟ أو غير صالحة؟ فإن كانت صالحة، فاحمدوا الله عليها، واسألوه الثبات، واستقيموا حتى الموت، لأن المؤمن لا بد أن يستقيم، ولأن الثواب إنما يحصل لمن استقام حتى مات على الخير والهدى، أما من انحرف وزاغ وارتد عن دينه فإن أعماله كلها تبطل وتحبط، وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:5].
هذه الأعمال الصالحات والحسنات الكثيرات إنما تنفع أهلها إذا استقاموا وماتوا عليها، أما إن ارتدوا عنها وكفروا بالله جل وعلا بعد إيمانهم فإنها تبطل أعمالهم، وتذهب عليهم ويعقبها العذاب الشديد، والعواقب الوخيمة، نسأل الله العافية، يقول سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32]، هذه عاقبة من استقام ووحد الله وقال: ربي الله، يعني إلهي ومعبودي الله، وشهد أن محمدًا رسول الله؛ لأن من تمام الإيمان بالله الشهادة بأن محمدًا رسول الله، ثم استقام على توحيده وإيمانه، استقام على طاعة الله وترك معصيته، حتى جاءه اليقين، حتى جاءه الموت، فهذا جزاؤه، يقول الله جل وعلا: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ [فصلت:30]، يعني عند الموت تبشرهم، وتقول لهم: أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ [فصلت:30-31]، وفي الآية الأخرى يقول جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:13-14].
فذنوبنا خطرها عظيم، وهي متفاوتة، أعظمها الكفر بالله، أعظم الذنوب، الكفر بالله جل وعلا والشرك به ، فالكفر بالله والشرك به هو أعظم الذنوب، ثم يلي ذلك البدع المخالفة لشرع الله، ثم كبائر الذنوب، ثم صغائرها، وكلها محيطة بالعبد، وهو على خطر منها، وعلاجها السريع العظيم البدار بالتوبة، هذا العلاج العظيم السريع الذي يمحوها بإذن الله ، البدار بالتوبة العظيمة بالتوبة الصادقة بالتوبة النصوح من الشرك فما دونه، وهي الندم على الماضي منها من شرك وبدعة ومعصية، والإقلاع منها، وتركها خوفًا من الله وتعظيمًا له، والعزم الصادق ألا تعود فيها، هكذا تكون التوبة الصادقة، وإلا فشرها عظيم.
يقول سبحانه: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79]، ويقول جل وعلا: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41]، ويقول جل وعلا: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت:40].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|