الدروس العامة المستفادة من معركة بدر (3)
السادس والستون: التوكل من خصال الإيمان العظام، لقوله: ﴿ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2].
السابع والستون: أن من خصال الإيمان القلبية الخوف من الله.
الثامن والستون: قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [الأنفال: 2-3].
فأركان الإيمان ثلاثة، وهي: اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان، وقد جمعت هاتان الآيتان ذلك كله. فعمل القلب ما تقدم، وعمل باللسان ذكر الله وتلاوة القرآن، وعمل الجوارح قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [الأنفال: 3].
التاسع والستون: الصلاة والصدقة في كتاب الله قرينتان، قال تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43].
السبعون: قال: (يقيمون الصلاة) ولم يقل: يصلون، إشارة إلى الإتمام وحسن الأداء.
الحادي والسبعون: كل رزق يؤتاه عبد فإنما هو من الله لقوله: ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ﴾.
الثاني والسبعون: لطف الله بعباده حيث ذكرهم بأن ما ينفقونه إنما هو من رزقه الذي أعطاهم، فكيف يبخلون بعد هذا؟
الثالث والسبعون: قد يكون بالناس من يدعي الإيمان، ولكن المؤمنين حقاً هم الذين اجتمعت فيهم تلك الصفات لقوله تعالى بعد ذكر صفاتهم: ﴿ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً ﴾ [الأنفال: 4].
الرابع والسبعون: منازل المؤمنين درجات بعضها فوق بعض، ومنازل الكافرين دركات بعضها تحت بعض لقوله تعالى: ﴿ لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾.
الخامس والسبعون: ثواب المؤمنين يتفاوت بحسب الإيمان لأن الدرجات متفاوتة.
السادس والسبعون: من فضل ثواب المؤمنين قربهم من الله لقوله تعالى: ﴿ لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾.
السابع والسبعون: أن المؤمنين قبل دخول الجنة يطهرون من النقائص، والذنوب لقوله تعالى: {وَمَغْفِرَةٌ}.
الثامن والسبعون: رزق المؤمنين في الجنة لا تبعة فيه مع سعته، وحسنه، ودوامه لقوله تعالى: ﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾.
التاسع والسبعون: خروج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأصحابه وقع بأمر الله، وتقديره لقوله تعالى: ﴿ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ ﴾ [الأنفال: 5].
الثمانون: خروج النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من المدينة كان بالحق، وخروج المشركين من مكة كان بالباطل، ففي الأولين قال: ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ ﴾ [الأنفال: 5]، وفي الآخرين قال: ﴿ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ ﴾ [الأنفال: 47]. فشتان ما بين الفريقين.
الحادي والثمانون: مع علمه -صلى الله عليه وسلم- بأن خروجه كان بأمر ربه إلا أنه كان يستشير أصحابه مراعاة منه -صلى الله عليه وسلم- "للطبيعة البشرية" فلينتبه دعاة الإسلام لهذا وليقدموه للناس لينًا سهلاً.
الثاني والثمانون: في المؤمنين من هو كامل الإيمان يقدم الأوامر الشرعية ولا يبالي بما يخالفها، ومنهم من هو دون ذلك، له نظرة للأسباب المادية، وهذا الفريق لا ينبغي أن يُضرب بالأوامر الشرعية بل يؤخذ بالمجادلة الحسنة حتى ينقاد إلى الحق بطيب نفس، ورغبة، يؤخذ هذا من قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ﴾، الثالث والثمانون: أن اللفظ قد يطلق، ويراد به بعض معانيه، فالذين كرهوا لقاء العدو في قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ﴾ [الأنفال: 5]، ولم يكن ذلك جبنًا، ولا كراهية للموت، ولكنهم لم يكونوا يرون الدخول في معركة لم يستعدوا لها، ولم يحسبوا حسابها، وربما كانت النتائج أسوأ مما لو عادوا في هذه الحال، فلما تبين لهم الحق بعد المجادلة انساقوا إليه مسرعين.
الرابع والثمانون: فضل أصحاب بدر، وكمال إيمانهم حيث انقادوا للنبي -صلى الله عليه وسلم- لخوض المعركة مع قريش مع أن ذلك بالحسابات المادية والخطط العسكرية هو الإقدام على الموت قال تعالى وهو يصور ذلك أحسن وأبلغ تصوير: ﴿ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ ﴾ [الأنفال: 6].
الخامس والثمانون: الوعد بالخير ممن طبيعته الوفاء من أخلاق القرآن لما في ذلك من راحة القلب، واطمئنانه، لقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ ﴾ [الأنفال: 7].
السادس والثمانون: وعد الله أصحاب بدر إحدى الطائفتين، ولم يعين مع علمه بما سيكون ليكشف خفايا النفس البشرية، وذلك من مقتضيات حكمته جل وعلا.
السابع والثمانون: بذل جهد أكبر لتحصيل مقصود أعظم أولى من عكسه قال تعالى: ﴿ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ﴾ [الأنفال: 7].
الثامن والثمانون: المقارنة بين المصالح والمفاسد، والموازنة بين الأمور مع بعد النظر يتبين بها حقيقة الأشياء، وهذا ما جعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأصحابه يقررون اللقاء مع العدو ﴿ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ﴾ [الأنفال: 7]، وهي مصلحة، غير أن هذه المصلحة تتلاشى عند النظر إلى ما في اللقاء من المصالح، وإن كلف جهداً إذ أن إحقاق الحق، وإبطال الباطل، وإذلال الكفر مصالح عظيمة لا يعدلها شيء، قال تعالى: ﴿ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الأنفال:7-8].
التاسع والثمانون: يجب على المؤمنين أن يقدموا ما يريده الله على ما يريدون، فإنهم متى فعلوا ذلك أعطاهم ما يتمنون، وبلغهم ما لم يكونوا يحتسبون، وهذا ما وقع لأهل بدر، لما قدموا ما يريده الله على ما يريدون.
التسعون: من الجرائم العظيمة أن يكره الإنسان ظهور الحق، أو سقوط الباطل، قال تعالى: ﴿ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الأنفال: 8].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|