قانون لقمان الثلاثي للإبداع التربوي
من يتأمل سيرة ابراهيم عليه السلام مع أبيه وموقف يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز ووصايا لقمان الحكيم لإبنه يلاحظ أن بين هذه المواقف الثلاث خيط تربوي رفيع، وهو (التميز والإبداع وقوة الإيمان) ، وهذه القيم الثلاثة يتمناها كل مربى في أبنائه وهي الرسالة التربوية التى نتعلمها من القرآن الكريم لتربية أبنائنا، فإبراهيم عليه السلام كلم والده بلطف وبعبارة (يا أبت) عندما قال له : (يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا)، ويوسف عليه السلام كان له موقف واضح بعدم الإستجابة لطلب امرأة العزيز بفعل الفاحشة واستطاع أن يتعامل مع الموقف الحرج بحكمة وضبط نفس وقوة إيمان،
فابراهيم عليه السلام استثمر ذكاؤه وتميزه لإقناع والده بعدم فائدة ما يعبد من الأصنام وأستخدم تميزه الفكري والعقلي
بينما يوسف عليه السلام استثمر تميزه الإيماني والعقدي بالصبر وضبط الشهوة وجعل طاعة الله تعالى لها الأولوية في حياته وهو تميز وإبداع كذلك،
بينما لقمان الحكيم وصى ابنه بعدة وصايا من أجل تربيته علي التميز والإبداع في حسن التعامل مع ثلاثي مهم لكل إنسان وهو حسن التعامل مع الخالق وهو الله تعالى، ومع المخلوق وهو النفس أوالذات، ومع الخلق وهو الناس ، فأوصاه بخصوص علاقته بالله أن لا يشرك به شيئا وأن يحافظ علي صلاته، وفي علاقته بالناس أوصاه بأن يبر والديه ولا يطيعهما إذا أمراه بالشرك بالله، وكذلك أن لا يتكبر علي الناس ويعاملهم بالتواضع، ويكون خلوقا عند الحديث معهم فلا يرفع صوته، وإذا وجد خيرا يثنى عليه فيأمر بالمعروف وإذا وجد خطأ ينهى عنه وينكر المنكر، وأما تعامله مع نفسه أن يكون صابرا أمام تحديات الحياة وإيذاء الناس ويكون إيجابيا ومبادرا ومتفائلا
فالمنهج القرآني التربوي من خلال عرض القصص يساهم في الحفاظ علي الأسرة وتميز التربية، فلو عامل الوالدين الطفل من صغره بطريقة مميزة من خلال استخدام اسلوب الحب والحوار والمدح والثناء والتشجيع، فإن الطفل إذا كبر سيكون متميزا ومبدعا وقائدا، ولهذا فصلت السنة والسيرة النبوية المنهج التربوي بإجراء تطبيقي عملي مثل موقف مدح النبي صلى الله عليه وسلم للحسن رضي الله عنه وتشجيعه له منذ طفولته فقال : (إن ابنى هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) رواه البخاري، فالطفل وهو صغير عندما يسمع مثل هذه الكلمات من والده أو جده فيحفظها ويتفاعل معها ويتبناه لتكون مشروعا له مستقبليا في حياته ويحرص علي تطبيقها، وهذا ما حصل مع الحسن رضي الله عنه عندما كبر، فالتربية المتميزة والمبدعة هي عبارة عن خلطة تربوية فيها حسن الحوار والحب والتشجيع والمدح
ومن يقرأ تاريخنا يتعرف علي أطفال كانوا متميزين ومبدعين بسبب التربية التي تلقوها مثل عبدالله بن عباس وعبدالله بن الزبير وعمر بن عبدالعزيز والقاضي أبويوسف وربيعة الرأي وأبناء عبدالملك بن مروان الأربعة الوليد وسليمان ويزيد وهشام ومحمد بن القاسم ويحي بن يحي وكثير يزخر بهم تاريخنا، ومن يتأمل القرآن يجد أن لفظ الأولاد والأبناء ذكر (62) مرة، منها آيات تذكر حقوقهم وأخرى تذكر تربيتهم وآيات تذكر أهميتهم بالحياة وأخرى تحذر من أن ينقلبوا من نعمة إلي فتنة، ومنها آيات تتحدث عن علاقة الأبناء بآبائهم وكلها تعتبر منهج تربوي تساعد المربين والوالدين في حسن التعامل مع الأطفال من أجل تنشئة متيمزة ومبدعة، ف(المال والبنون زينة الحياة الدنيا)، ولهذا لخص لنا لقمان الحكيم قانون الإبداع التربوي بثلاثي مهم وهم (الخالق والمخلوق والخلق)، فإذا أحسن الإنسان التعامل مع الثلاثة كان سعيدا في الدنيا والآخرة وصار متميزا ومبدعا شاكرا خالقه ومحافظا علي نفسه ومحبوبا للناس كاسب قلوبهم
موقع د.جاسم مطوع
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|