يتَّجه فلاديمير بوتين في نهاية هذا الأسبوع إلى تجديد ولايته رئيسًا لروسيا، عندما يخوض انتخابات يغيب عنها أيُّ منافس جدِّي، ويرى فيها الكرملين فرصة لإظهار دعم المجتمع للهجوم على أوكرانيا. ومنذ وصوله إلى السلطة في 1999، بداية كرئيس للوزراء في أغسطس، وبعدها كرئيس بالإنابة في اليوم الأخير من العام، قضى بوتين (71 عامًا) على كل أشكال المعارضة، وأمسك بمقاليد الحكم بشكل يجعل إعادة انتخابه لولاية من ست سنوات، أمرًا محسومًا حتَّى قبل فتح مراكز الاقتراع صبيحة الجمعة المقبل. والانتخابات التي تجرى على مدى ثلاثة أيام (15- 17مارس)، ستمنح بوتين ولاية جديدة تستمر حتَّى العام 2030، ما سيجعل منه الزعيم الذي يحكم روسيا لأطول فترة منذ الإمبراطورة كاثرين الثانية في القرن الثامن عشر. وتأتي الانتخابات في وقت ملائم لبوتين، الذي بدأ مسيرته في أروقة جهاز الاستخبارات السوفييتي «كاي جي بي». فالقوات الروسية حقَّقت مؤخَّرًا تقدُّمًا ميدانيًّا في أوكرانيا هو الأول لها منذ أشهر، وأبرز معارضيه أليكسي نافالني بات تحت التراب في جنوب موسكو، بعد وفاته خلف قضبان سجنه في الدائرة القطبية. كما أنَّ الاقتصاد الروسي بقي صامدًا على رغم العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، من خلال استيراد منتجات أساسية عبر طرف ثالث، أو إعادة توجيه الإنتاج الروسي في مجال الطاقة نحو الأسواق الآسيوية. وعلى رغم أنَّ بوتين بات منبوذًا في الغرب منذ بدء غزو أوكرانيا في فبراير 2022، يرى الكرملين في الانتخابات مناسبة ستعكس توحُّد الروس خلف رئيسهم، والهجوم الذي أمر بشنِّه على الجارة الغربية لبلادهم. ورأى المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف في أكتوبر أنَّ «بوتين هو، بطبيعة الحال، السياسي والفاعل الأول في الدولة»، مضيفًا «برأيي، وربما لا يحق لي أنْ أقول ذلك اليوم، لا منافس له في روسيا، ولن يكون له» منافس. ورغم أنَّ العملية الانتخابية ستكون شكليَّة إلى حد كبير، إلَّا أنَّ الكرملين يأخذها على محمل الجد، وسخَّر العديد من الموارد لحملة انتخابية هدفها إثارة الحماسة لصالح الرئيس الروسي. وقام بوتين بجولات في مختلف أنحاء البلاد، وظهر في قمرة القيادة لقاذفة نووية، في استعادة لصورة «الرجل القوي» التي كان يظهر بها قبل أعوام. وقال الباحث في تشاتام هاوس نيكولاي بيتروف لوكالة فرانس برس: إنَّ «هذه الانتخابات بالغة الأهمية للكرملين». وأضاف: «ثمة حاجة إليها لإظهار أنَّ الروس يدعمون بوتين بغالبية صريحة». ويأمل الكرملين عام 2024 في تسجيل تأييد لبوتين يكون أكبر من دورات الانتخابات الأربع السابقة. وفي 2018، أظهرت النتائج الرسمية فوز بوتين بحصوله على 77,5 بالمئة من الأصوات. وحتَّى في غياب معارضة فعليَّة، شابت تلك الانتخابات اتهامات بالتزوير والفساد والاقتراع القسري. وهذه السنة، سيواجه بوتين ثلاثة منافسين تمت المصادقة على ترشُّحهم، هم: القومي ليونيد سلوتسكي، والشيوعي نيكولاي خاريتونوف، ورجل الأعمال فلاديسلاف دافانكوف. وسبق للثلاثة أنْ أيَّدوا الهجوم على أوكرانيا. ولم تتم المصادقة على ترشيح السياسي المناهض لبوتين بوريس ناديجين، بعدما دعم عشرات الآلاف من الروس ترشُّحه غير المتوقع الذي رفعت خلاله شعارات مؤيدة للسلام. وسبق للكرملين أنْ أتاح لمرشحين ليبراليين خوض الانتخابات في ما كان يعدُّه المحللون «ديموقراطية مدارة» في روسيا. إلَّا أنَّ هؤلاء باتوا أكثر تشددًا في وصف الوضع السياسي في البلاد، مع صفات من قبل «استبداد» و»شمولية».