عكست تصريحات وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان الأخيرة، بشأن تركيز قرارات أوبك بلس على أساسيات السوق وعدم تسييس القرارات، الدور المحوري الذي يقوم به التحالف كصمام أمان للسوق العالمية، وتجلى ذلك بوضوح في تأكيد جهات إعلامية مستقلة على صحة ودقة التوقعات التي توصل لها التحالف مقارنة مع العديد من الجهات الأخرى، وإن القرار الذي اتخذ مؤخرًا بخفض مليوني برميل يوميًا كان هو الصحيح لدعم استقرار السوق والصناعة بالكامل، وبحسب الأمير عبدالعزيز بن سلمان فإن تسييس الإحصاءات والتوقعات، واستخدامها للتشكيك في مصداقية أوبك بلس ودورها في استقرار السوق، يؤدي إلى استثارة المستهلكين، ويسبب إرباكًا في السوق، ويقود إلى حدوث اختلالات وتفسيرات خاطئة، تُسهم جميعها في اضطراباتٍ لا مبرر لها في السوق.
التحالف ينقذ السوق في جائحة كورونا
تمكّن التحالف من إنقاذ السوق خلال الجائحة بخفض الإنتاج في أبريل من عام 2020 بحوالى 10 ملايين برميل يوميًا وبعد ذلك تمكن من التحكم في حدة ارتفاعات أسعار النفط خلال الأزمة الأوكرانية - الروسية حيث ارتفعت أسعار جميع منتجات الطاقة من غاز وفحم بطريقة جنونية فيما ارتفعت أسعار النفط بصورة أقل حدة، ورغم هذه الجهود تعتقد الولايات المتحدة أن قرارات التحالف مسيسة، وهو الأمر الذي أثبتت الأيام عدم صحته بشهادة التقارير والمؤسسات الدولية.
أسواق النفط تواجه الغموض وعدم اليقين
تواجه أسواق النفط حالياً تحديات على المستويين الاقتصادي والسياسي وهو ما يجعل الطلب على الخام يعاني من عدم اليقين، ويضع تحالف «أوبك+» في موقف صعب بحسب وصف وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان، ويتمثل ذلك في موقف الصين من سياسية «صفر كوفيد» والخطوات التي تتبعها لإعادة فتح الاقتصاد، وكذلك الأوضاع الاقتصادية العالمية الناتجة عن إفراط البنوك المركزية في ضخ السيولة خلال فترة كوفيد والتأخر في رفع معدلات الفائدة وما ترتب عليه من الوصول حالياً لمعدلات حادة في رفع الفائدة لكبح التضخم، وهو ما انعكس سلباً على نمو الاقتصاد العالمي، وتشهد أسواق النفط تقلبات حادة خلال الربع الأخير من العام الجاري، حيث هوت الأسعار لأدنى مستوى منذ عام تقريباً، وهو ما يعني محو كافة مكاسب الخام التي حققها خلال عام 2022، وهبط خام برنت لعقود فبراير دون مستوى 80 دولارًا للبرميل، وكذلك هبطت عقود الخام الأمريكي لتسليمات يناير لمستوى يقارب 70 دولاراً للبرميل.
أوبك بلس تكبح التقلبات وتدعم الاستقرار
احتفل تحالف أوبك بلس مؤخرًا بمرور ست سنوات على تأسيسه في 2016 من أجل إعادة الاستقرار للسوق بعد تراجع الأسعار إلى دون 30 دولارًا في بداية عام 2016، وبدأ التحالف كردة فعل واضحة للضعف الذي شهدته السوق النفطية في 2015 في أعقاب القرار التاريخي لمنظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك عندما قررت في شتاء 2014 الإبقاء على حصتها السوقية وترك الأسعار تنهار لإخراج المنتجين أصحاب التكلفة العالية من السوق، وبحسب الباحث وائل مهدي انطلقت فكرة التحالف بعد اجتماع في الدوحة بين وزراء السعودية وروسيا والجزائر وقطر وفنزويلا، وشهدت الأمور صعوداً وهبوطاً وشداً وجذباً حتى اجتمعت (أوبك) في الجزائر في صيف 2016 واتخذ وزراؤها قراراً استثنائياً يقضي بالتعاون مع المنتجين خارجها، وسبق هذا الاجتماع تطور مهم وهو لقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش اجتماعات مجموعة العشرين في الصين، وهو ما اعتبره الكثيرون أهم اجتماع لقيام التحالف، ومنذ اليوم الأول وضع وزراء التحالف نصب أعينهم مهمة واحدة وهي إعادة الاستقرار للسوق من خلال تخفيض المخزونات النفطية التي كانت تعاني من تخمة كبيرة فوق متوسط الخمس سنوات بأكثر من 200 مليون برميل عند 2997 مليون برميل، واليوم بعد ست سنوات انخفضت المخزونات تحت متوسط الخمس سنوات بنحو 200 مليون برميل، وأصبحت السوق مستقرة أكثر، وقد يكون توازن السوق وميزان العرض والطلب هو الأهم في نظر الجميع، ولكن النجاح الكبير الذي حققه التحالف ليس في توازن العرض والطلب بل في استقرار السوق والتحكم في حدة تذبذبات النفط، ولعل أكثر ما قد يؤثر على الاستثمار في النفط هو التذبذبات العالية والتي كانت تحدث في وقت لا توجد فيه أي جهة تضمن استقرار السوق وكان الكل ينتج بلا حساب.
62 عامًا على تأسيس أوبك
تأسست منظمة أوبك في 14 سبتمبر 1960 من قبل الأعضاء المؤسسين الخمسة الأوائل السعودية وإيران، العراق، الكويت، فنزويلا، وتوسعت منذ ذلك الوقت ليصبح عدد أعضائها حاليًا 13 دولة عضوًا ومع إضافة 11 دولة أخرى منتجة للنفط إلى منظمة أوبك، بما في ذلك روسيا، أصبح التجمع يعرف باسم أوبك بلس.
وتم تشكيل أوبك بعدما شهدت تلك الفترة تحولا في المشهد الاقتصادي والسياسي الدولي، ومع إنهاء الاستعمار على نطاق واسع وولادة العديد من الدول المستقلة الجديدة في العالم النامي حيث كانت شركات (Seven Sisters) متعددة الجنسيات هي المسيطرة على سوق النفط الدولية، ولذلك طورت منظمة أوبك رؤيتها الجماعية، وحددت أهدافها وأنشأت أمانتها العامة، وبدأت أولاً في جنيف ثم في عام 1965 انتقلت إلى فيينا، وقد تبنت البيان التصريحي للسياسة البترولية في الدول الأعضاء في عام 1968، والذي أكد على الحق غير القابل للجدال لجميع البلدان في ممارسة السيادة الدائمة على مواردها الطبيعية لصالح تنميتها الوطنية.
وتتمتع سوق النفط بخصائص فريدة مقارنة بأي سوق أخرى، حيث يتم الاتفاق على كمية وحصص إنتاج النفط التي سيتم إنتاجها، بشكل علني من قبل أكبر المصدِّرين في العالم، الذين تجمعوا معًا في منظمة أوبك، وتحصل شركات التكرير على طلباتها من خلال شركات تابعة متخصصة في التجارة، يتمثل نشاطها في التدخل في السوق لشراء الكميات اللازمة لتشغيل المصافي أو إعادة بيع الفوائض غير المستخدمة، ويمكن لهؤلاء (التجار) أيضًا السعي لتحقيق أرباح قصيرة الأجل من خلال صفقات البيع والشراء، وذلك بالاستفادة من تغيرات الأسعار اليومية وبعد جائحة Covid-19، انخفض الطلب العالمي بشكل كبير على النفط؛ ما أدى إلى انخفاض الأسعار، حتى أن أسعار العقود الآجلة للنفط WTI أصبحت سلبية مؤقتًا في أبريل 2020؛ بسبب تشبع السعات التخزينية في الولايات المتحدة.
خفض الإنتاج لدواعٍ اقتصادية
اتفقت مجموعة أوبك بلس في 5 أكتوبر 2022 في فيينا، وفي أول اجتماع مباشر لها منذ مارس 2020 على خفض الإنتاج النفطي بواقع مليوني برميل يوميًا إلى 41 مليون برميل، وهو ما يعادل 2% من إمدادات النفط العالمية على أن يدخل هذا التخفيض حيز التنفيذ اعتبارًا من نوفمبر الماضي، ويمثل هذا القرار أكبر تخفيض من طرف أوبك بلس منذ عام 2020، وسبق ذلك تخفيض حجم الإنتاج بأكثر من 9.7 ملايين برميل نتيجة انتشار فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم، ودخول معظم الدول في حالة إغلاق كامل؛ ما أدى إلى انهيار أسعار النفط الخام بسبب انخفاض الطلب، ومنذ ذلك الحين زادت المجموعة الإنتاج ببطء مع نمو الطلب، وعلى أساس هذه الخلفية جاء هذا القرار كمحاولة لوقف الانخفاض في أسعار الطاقة الذي استمر منذ الصيف الماضي 2022، ولحماية السوق من مخاطر الركود الناتج عن تراجع الطلب.