حقوق لو فعلتها لوجدت الله عندك
ثلاث حقوقها ينشغل عنها أغلبنا، بالرغم من أن الله سبحانه وتعالى وجه اللوم فيها إلى عباده، على التقصير، واعتبرها أنه تقصير في ذاته العليا، جل شأنه عن أن يقصر عبد في ذاته، وهذه الحقوق نص عليها الله جل وعلا في حديثه القدسي قائلا: "عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني، قال: يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده، يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب، كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب، كيف أسقيك، وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي، رواه مسلم.
أولاً: عيادة المريض:
قد يكون المريض بحال لا يعلم فيها من عاده، ومن لم يعده، كأن يكون غائبًا عن وعيه، فهنا قد لا يقال إن العيادة واجبة؛ لأنه لا يشعر؛ لأن المقصود من العيادة والله تعالى أعلم أمور:
أولها: هو تقوية قلب المريض؛ لأن المريض يشعر بضعف، وانكسار، ووحشة، فهو ينظر إلى الحياة، وإلى الناس بمنظار غير المنظار الذي ينظر فيه الأصحاء، وهذا يعرفه الإنسان إذا مرض، وتعب ينظر إلى الطريق، ينظر إلى الناس، ينظر إلى المار، ينظر إلى من حوله، ينظر إليهم بنظرة أخرى تمامًا.
فالمريض يدرك ضعفه، ولربما ظن أن هذه هي القاضية، وأنها هي نهاية المطاف هذا المرض، وانغلقت الأبواب في وجهه، ولربما غلب عليه اليأس، فيحتاج إلى من يقوي قلبه، ومن يواسيه، ومن يأنس به، بعدما شعر بشيئ من الوحشة، و الغربة، فإذا جاءه من يعوده، ترتفع معنوياته.
الأمر الثاني: من هذه الحكم في عيادة المرضى، هو أن هذا المريض حينما يعوده الإنسان يدعو له؛ لأنه بحاجة إلى الدعاء، ولذلك حتى لو كان غائبًا عن وعيه لا يشعر بالناس.
والأمر الثالث: هو أن عيادة المرضى هناك معنى يرجع لمن يعودهم، من جهة الأجر والثواب، كما سيأتي في الأحاديث، فهو يؤجر هذه عبادة يتقرب إلى الله بها عبادة عظيمة تشيعه بذلك الملائكة إلى غير ذلك من الفضائل.
والأمر الرابع: هو أن الإنسان يعرف نعمة الله عليه، هذا الإنسان الذي يعيش في حال من الزهو واغتر بشبابه وقوته وعافيته يحتاج أنه يرسل إليه مرض، حتى يتذكر ربه -تبارك وتعالى-، وكيف أنعم عليه؟ فيرفع يديه ويدعو وينكسر، أو يعود هؤلاء المرضى، فيرى أحوال الناس، ويقول: أنا في عافية، الحمد لله.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم، لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع، قيل: يا رسول الله، وما خرفة الجنة؟ قال: جناها، رواه مسلم.
هذه من فضائل عيادة المريض، ولذلك كما ذكرت من آثار العيادة وفوائدها ما يرجع إلى العائد للمرضى.
هذه هي التجارات الحقيقية التي نفرط بها كثيرًا.
وعن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة. رواه الترمذي.
ثانيًا: إطعام الطعام:
قال الله تعالى: يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني. هذا على سبيل المحاسبة يوم القيامة، فدل على أن الإنسان يحاسب على حقوق المسلمين، هذا مرض فلم تعده، وهذا جاع فلم تطعمه، وهذا صار في حال من الشدة والكربة، فلم ترفع بذلك رأسًا، ولم تغثه، كما هو الحال في إخواننا اليوم.
يقول: يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب، كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه.
وهذا يدل على منزلة هؤلاء من أهل الإيمان، منزلة هؤلاء العباد؛ حيث أن الله -تبارك وتعالى- أضاف ذلك إلى نفسه.
ثم جاء مفسرًا: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمني...، أضاف ذلك إلى نفسه وهذا لمنزلة عبده المؤمن.
قال: أما علمت أنك لو أطعمته، لوجدت ذلك عندي، يعني: الثواب والأجر، فإنه لا يضيع عند الله -تبارك وتعالى- شيء، فإنما يقدم الإنسان لنفسه، ويحسن إليها، وهو المحتاج.
فضل إطعام الطعام
من صالح الأعمال وأكرمها عند الله والتي ندب إليها ديننا الحنيف إطعام الطعام والحض عليه والترهيب من عدم الحض عليه أو منعه كما ورد فى القرآن و السنة وله فضائل كثيرة.
قال صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً ، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا ، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا» (صحيح الجامع).
النجاة من أهوال يوم القيامة
قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورً} [الإنسان:8-11].
ثالثا: سقيا الماء:
قال: يا ابن آدم، استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب، كيف أسقيك، وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان، فلم تسقه، أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي، يعني: أجره.
وقل مثل ذلك في حاجات الناس، استكساك عبدي فلان، إلى آخره، مما يعرض للناس من الحوائج.
وبشر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من سعى إلى توفير الماء بحفر بئر أو وقفه سقيا بالأجر العميم والثواب الكريم، فقال صلى الله عليه وسلم: من حفر بئر ماء لم يشرب منه كبد حرى من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة.
وسقيا الماء من أفضل الصدقات، وأجل القربات قال سعد بن عبادة رضي الله عنه: يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء.
و سئل ابن عباس: أي الصدقة أفضل؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الصدقة الماء ألم تسمع إلى أهل النار لما استغاثوا بأهل الجنة قالوا أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله)، وجاء في تفسيرها: أن هذه الآية دليل على أن سقي الماء من أفضل الأعمال.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أيما مؤمن سقى مؤمناً على ظمإ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم".
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|