كيف تجعل لك سرا مع الله ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
اهلا بكم معنا في منتديات اسلامي مفيد
ممن أفضل الأعمال التي نستطلع بركتها كما نستطلع هلال شهر رمضان، العمل سرًا مع الله، فالإخلاص والتقوى التي بينك وبين ربك هي من الأعمال التي تجد أثرها فوري وبركتها عاجلة على رزقك وصحتك وراحة بالك وصلاح أمر أسرتك.
وكما دل الشرع الشريف على أن الحسنة بعشر أمثالها، فالسر والخبيئة مع الله بأعشار أمثالها، وأثرها أكيد ومعلوم لأصحابه، فكم منا أخلص مع ربه في أن تصدق على فقير دون أن يشعر أحد ولا أن تعرف شماله ماذا أنفقت يمينه، أو أعان مسلما على طلب رزقه، أو ساعد في علاج مريض، أو أقام الله باكيا من خشية ربه، إلا وقد وجد مكافأته من عند الله بشكل عاجل.
فالعبادة لا تقوم إلا بالإخلاص، والبركة لا تأتي إلا بسرك مع الله عز وجل، فلا يبتغي العبدُ في عمل يعمله إلا وجهَ الله -تعالى-، لا رياءَ فيها ولا سمعةَ، إلا كافأه الله عليه، وألبسه ثياب العافية، وحلت عليه البركة، فالإخلاصُ هو حقيقةُ الدينِ، وأساسُ العبادةِ، وشرطُ قبولِها، وهو بمنـزلة الروح للجسد، فلا عبوديةَ لمن لا إخلاصَ له، وبه تُرفَع الدرجاتُ، وتُغفَر الزلاتُ، ويطمئنُّ القلبُ، ويرتاح البالُ.
أسرار البركة
فمن أسرار البركة في عمل العبد، أن يجاهد في خبيئته مع الله، لأن الإخلاص هو كلمة السر التي تثبت العمل الصالح، كما أن الرياءُ هو كلمة السر في إفساد العبادةَ، وإحباط الأجرَ، والله لا يقبل من عبده أن يشرك بينهما شريك، فإن أبى العبدُ إلا الشركَ، ترَكَه اللهُ وشِرْكَه.
يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: "إِنَّ أَخوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيكُمُ الشِّركُ الأَصغَرُ، قَالُوا: وَمَا الشِّركُ الأَصغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِذَا جَزَى النَّاسَ بِأَعمَالِهِم: اذهَبُوا إِلى الَّذِينَ كُنتُمْ تُرَاؤُونَ في الدُّنيَا، فَانظُرُوا هَل تَجِدُونَ عِندَهُم جَزَاءً"؛ (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[هُودٍ: 15-16].
كيف يتحقق الإخلاص؟
إن أكثر ما يحقق الإخلاص، ويدفع أسباب الرياء، أن يجعل المؤمنُ لنفسه خبيئةً من عمل صالح، يرجو بها ما عند الله -جل جلاله.
قال الزبير بن العوام -رضي الله عنه-: "مَنِ استطاع منكم أن يكون له خبءٌ مِنْ عملٍ صالحٍ فليفعَلْ".
والخبيئةُ الصالحةُ كما يقول العلماء: هي كلُّ طاعة في السر، لا يطَّلِع عليها إلا اللهُ، ركعاتٌ في ظلمة الليل تركَعُها، أو تلاواتٌ وختماتٌ للقرآن تَختِمُها، أو صدقةٌ تُخفيها، أو كُربةٌ تُفَرِّجُها، أو رعايةُ أرملةٍ وأيتامٍ، أو بِرُّ أبٍ وأمٍّ، أو استغفارٌ بالأسحار، أو دمعةٌ في خَلوة من خشيةِ القهارِ، أو إصلاحٌ في السرِّ بينَ الناسِ، أو صيامٌ لا يعلم به أحدٌ من الناس.
ومن الأعمال الصالحة التي يتحقق فيها وجه الإخلاص مع الله، التفكر في اختلاف الليل والنهار ، والنظر في خلق السموات والأرض، وتسبيح فاطرهما، والنية الصادقة، من الخبايا الصالحة، فمَنْ همَّ بحسنة فلم يَعمَلْها، كتَبَها اللهُ عندَه حسنةً كاملةً، ومَنْ سألَ اللهَ الشهادةَ بصدقٍ، بلَّغَه اللهُ منازلَ الشهداءِ، وإن مات على فراشه.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ، عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ، يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ".
وقَالَ صلى الله عليه وسلم: "وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَت عَينَاهُ، وَرَجُلٌ دَعَتهُ امرَأَةٌ ذَاتُ مَنصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخفَاهَا حَتَّى لا تَعلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنفِقُ يَمِينُه"(متفق عليه).
فالإخلاص لا يخرج إلا من قلب سليم، قد أحسَن الظنَّ بربِّه، ورَغِبَ فيما عندَه، فأخفى عملَه، وتجرَّد لخالقه، فأهلُ الخبيئةِ الصالحةِ، لهم نورٌ في الوجه، وقبولٌ ومحبةٌ عند الخَلْق؛ وذلك لَمَّا خَلَوْا بالله -جل جلاله-، أحبَّهم وألبسَهم من نوره، وجعَل لهم المحبة والقبول عند خلقه.
"فإِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَيُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ"(رواه البخاري ومسلم).
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|