توضيح أهم الفرص التي رافقت تلك الدعوة الإسلامية في بداياتها:
إن المخطِّط الناجح من يكسب الفرص، غير ملتفت لدِقِّها أو جِلِّها؛ فكل فرصة تتحول لنقطة قوة في خططك إذا ما كنت مُعِدًّا تلك الخطة في ضوء التوكل والأخذ بالأسباب، مستفيدًا من الأحداث التي جرت، ومراعيًا الأحوال التي تجري.
أولاً: الاستفادة من الوقت، لقد استفاد النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الوقت بشكل دقيق؛ لأنه على علم ودراية تامة - وفقًا لخطته - بأن قريشًا لن تصمت طويلاً على الدعوة؛ فهي جاءت لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، ولن يروق ذلك لقريش وزعمائها؛ أن تنزع عنهم عمامة سدة القوم؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم: "ظل يدعو الناس إلى الدعوة الإسلامية سرًّا وجهرًا، وكفار قريش غير منكرين لما يقول، وإنما يشيرون إليه إذا مر عليهم في مجالسهم.. حتى عظم ذلك على قريش، وبدؤوا ينكرون عليه، وقام الصراع"[1].
إشارة:
لا تؤجل عمل اليوم إلى غد.. ولا تفرِّط فيما لديك من وقت؛ فهو لا يقدر بثمن، ولا يستعاض عنه بعوض.
ثانيًا: دار الأرقم بن أبي الأرقم، تعد دار الأرقم - رضي الله عنه - إحدى الدور التي كان لها دور هام في تاريخ الإسلام؛ فقد كانت المحضن التربوي الأول الذي ربى النبي صلى الله عليه وسلم فيه طليعةَ أصحابه الذين حملوا معه المسؤولية الكبرى في تبليغ رسالةِ الله تعالى.
لكن كيف نعد هذه من الفرص في خطته صلى الله عليه وسلم؟ استفاد النبي صلى الله عليه وسلم من عداوة بني مخزوم المعروفة لبني هاشم، ومنافستهم على الزعامة، وسريَّة إسلام الأرقم - رضي الله عنه - فاختار داره مقرًّا له، وهذا ما لا يخطر على بال قريش، أن يكون اللقاء في قلب صفوف العدو.
والذي أريد إيصاله أن بداخل كل صعوبة تواجهها تكمن فرصة، ومن المعلوم في قواعد التجارة: أن العلاقة بين نسبة الخطورة ونسبة الربح علاقة طردية.
ثالثًا: التحالفات، والعهود: إن من الفرص التي استفاد منها النبي صلى الله عليه وسلم ما عهد به عمه أبو طالب، ومَنَعَته له من قريش، وفي هذه الأوقات جهد النبي صلى الله عليه وسلم لزيادة عدد المسلمين، وإعطائهم القدر الكافي من التعاليم، ولم يركن إلى أنه بمأمن؛ فالتخطيط يدعو للاستفادة من كل ما هو متوفر للوصول لما هو غير متوفر.
رابعًا: موسم الحج، والتجمعات "لقد استفاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من موسم الحج، فبلَّغ تبليغًا مباشرًا - على مدى سنوات - كل من استطاع الوصول إليهم"[2].
حتى تحقق الهدف واستفاد من فرصة الحج بعد مرور بعض من الزمن، "ففي موسم الحج في السنة الحادية عشرة من النبوة دخلت الكوكبة الأولى من خزرج المدينة في الإسلام، وكانوا ستة، وعادوا دعاة ومبشرين، ففشا ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة.. وفي السنة الثانية عشرة وفي موسم الحج كانت بيعة مع اثني عشر نفرًا من المدينة.. وانتشر الإسلام بالمدينة.. وفي موسم الحج في السنة الثالثة عشرة من البعثة تمت بيعة العقبة الثانية مع بضعٍ وسبعين نفرًا من أهل المدينة المنورة"[3].
إشارة:
التخطيط الجيد يؤتي أكله لا محالة، إنما هو الصبر، وهذا ما أوردته آنفًا، وأشرت إليه بعدم التعجُّل والإلحاح في الأمر، وطلب الثمار قبل نضوجها..
تلخيص الحالة:
ليس منطقيًّا أن تواجه تحديات تفوق الطاقة باللامبالاة، ثم تنتظر نتائج النجاة، كالذي ألقي بالماء وهو لا يعرف السباحة.
إن الارتجال لا يجدي كثيرًا من النفع عند من ارتقى طموحه، وعلت همته، بل لا بد من تفكير منير، وتخطيط متقن؛ "فالتخطيط يقسم حياتك إلى مراحل ومحطات، تقف عند كل محطة منها؛ لتراجع نفسك وتقيِّمها، كما أنه يُعينك على ترتيب الأولويات، ويجعلك تقسم وقتك على وفق هذه الأولويات"[4].
ثم إن العاقل لا يترك ما يمكن الاستفادة منه لحين الحاجة، بل يحتفظ به، وينميه، ويتدرج في استخدامه، بما يناسب المرحلة، والزمان، والظروف المحيطة، والأحداث الجارية.
وكما قيل: إن الفرص لا تتكرر، وإن حصل ذلك فهي أقل فائدة مما كانت عليه بداية، وإذا هبت رياحُك فاغتنمها..