تعظيم النبي والصلاة عليه وتجنب الغلو فيه
تعظيمه صلى الله عليه وسلم:
فإن هذا مِن حقوق النبيِّ صلى الله عليه وسلم التي أوجَبها اللهُ في كتابه؛ قال تعالى: ﴿ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ﴾ [الفتح: 9]، وقال تعالى: ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157].
قال ابن عباس: (تعزِّروه: تُجِلُّوه، وتوقِّروه: تعظِّموه)، وقال قتادة: (تعزِّرُوه: تنصُروه، وتوقِّروه: أمَر اللهُ بتسويده).
وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [الحجرات: 1]، وقال - عز وجل -: ﴿ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ﴾ [النور: 63].
قال مجاهد: (أمَرهم أن يَدْعُوه: يا رسول الله، في لِينٍ وتواضُعٍ، ولا يقولوا: يا محمدُ، في تجهُّم).
وقد ضرَب أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أروعَ الأمثالِ في تعظيم النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ قال أسامة بن شريك: (أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه حوله كأنما على رؤوسِهم الطيرُ).
وتعظيمُ النبي صلى الله عليه وسلم واجبٌ بعد موته كتعظيمِه في حياته؛ قال القاضي عياض: (واعلَمْ أن حُرمةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعد موته، وتوقيره وتعظيمه، لازمٌ كما كان حالَ حياتِه؛ وذلك عند ذِكْرِه صلى الله عليه وسلم، وذِكْرِ حديثه وسنَّتِه، وسماعِ اسمِه وسيرته، ومعاملة آله وعِترتِه، وتعظيم أهلِ بيته وصحابتِه).
الصلاة والتسليمُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والإكثارُ من ذلك كما أمر اللهُ بذلك:
قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
قال المبرِّدُ: (أصل الصلاة: الترحُّم؛ فهي من الله رحمةٌ، ومن الملائكة رقَّة واستدعاءٌ للرحمة من الله).
وعن عبدالله بن عمرِو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من صلَّى علَيَّ صلاةً، صلَّى الله عليه بها عَشرًا))؛ رواه مسلم.
وعن عليٍّ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((البخيلُ الذي مَن ذُكِرت عنده فلم يُصلِّ علَيَّ))؛ رواه الترمذي وقال: حديث حسَن صحيح، وأحمدُ في المسند.
والصلاة والسلام وإن كانت مشروعةً في حق الأنبياء كلهم - كما تقدم - فهي متأكِّدة في حقِّ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، ومن أعظمِ حقوقه على أمَّتِه، وهي واجبةٌ عليهم؛ ولذا ذكَرْناها هنا مِن جملةِ حقوقه الخاصة على أمَّتِه.
وقد صرَّح العلماءُ بوجوب الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ونقَل بعضُهم الإجماعَ على ذلك؛ قال القاضي عياض: (اعلَمْ أن الصلاةَ على النبي صلى الله عليه وسلم فرضٌ على الجملة، غيرُ محددٍ بوقت؛ لأمرِ الله تعالى بالصلاة عليه، وحمله الأئمةُ والعلماء على الوجوب، وأجمَعوا عليه).
• الإقرار له بما ثبَت في حقِّه من المناقب الجليلة، والخصائص السامية، والدَّرَجات العالية الرفيعة، على ما تقدَّم بيانُ بعضها في أول هذا المبحث، وغير ذلك مما دلَّت عليه النصوص، والتصديق بكلِّ ذلك، والثَّناء عليه به، ونشره في الناس، وتعليمه للصغار، وتنشئتهم على محبَّتِه وتعظيمه، ومعرفة قدرِه الجليلِ عند ربِّه عز وجل.
• تجنُّب الغلو فيه، والحذر من ذلك؛ فإن في ذلك أعظمَ الأذيَّةِ له صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى آمرًا نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يخاطبَ الأُمَّة بقوله: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، وبقوله: ﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ﴾ [الأنعام: 50].
فأمَر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يقررَ للأمةِ أنه مرسَل من الله، ليس له مِن مقام الرُّبوبيَّة شيء، وليس هو بملَكٍ؛ إنما يتبع أمرَ ربِّه ووحيَه.
كما حذَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أمَّتَه من الغلو فيه والتجاوزِ في إطرائِه ومدحِه؛ ففي صحيح البخاريِّ من حديث عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تُطرُوني كما أطرَتِ النصارى ابنَ مريمَ؛ فإنما أنا عبدُه، فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه))؛ رواه البخاري.
والإطراء: هو المدحُ بالباطل، ومجاوزة الحدِّ في المدح؛ ذكَره ابن الأثير.
وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فراجَعه في بعض الكلام، فقال: ما شاء اللهُ وشئتَ! فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أجعلتَني لله ندًّا؟! بل ما شاء اللهُ وحده))؛ رواه الإمام أحمدُ.
فحذَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الغلوِّ فيه وإنزالِه فوق منزلته، مما يختص به الرب عز وجل، وفي هذا تنبيهٌ إلى غير ما ذُكِر من أنواع الغلو؛ فإن الغلوَّ في النبي صلى الله عليه وسلم محرَّمٌ بشتى صورِه وأشكاله.
ومن صور الغلوِّ في النبيِّ صلى الله عليه وسلم التي تصلُ إلى حدِّ الشرك: التوجُّهُ إليه بالدعاء، فيقول القائل: يا رسول الله، افعَلْ لي كذا وكذا؛ فإن هذا دعاء، والدعاء عبادةٌ لا يصحُّ صرفُها لغير الله.
ومن صورِ الغلو فيه صلى الله عليه وسلم: الذَّبحُ له، أو النَّذرُ له، أو الطواف بقبره أو استقبال قبره بصلاة أو عبادة؛ فكل هذا محرَّم؛ لأنه عبادة، وقد نهى الله عن صرفِ شيءٍ من أنواع العبادة لأحدٍ من المخلوقين، فقال - عز وجل -: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].
ونتولَّى زوجاتِه، وهن أمهاتُ المؤمنين، وزوجاتُه في الدنيا والآخرة.
وتفضيلُ أهل البيت، وتوقيرهم، وحبُّهم، وما يجبُ لهم من غير جفاءٍ ولا غلوٍّ، والبَراء ممن يُعاديهم ويكرَهُهم.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|