صلاة الوتر
خطبة: صلاة الوتر
إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، وقال تعالى: ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [الإسراء: 78]، أما بعدُ:
روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: ((أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِثَلاثٍ: صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ))، وروى الترمذي عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ، فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ القُرْآنِ)).
يا عباد الله، إن صلاة الوتر من العبادات التي واظب النبي صلى الله عليه وسلم على أدائها، وحثَّ الصحابة على ذلك، فقد ورد في فضلها العديد من الفضائل، منها ما رواه خَارِجَةُ بْنُ حُذَافَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ أمدَّكُم بصلاةٍ هي خيرٌ لكُم من حُمْرِ النَّعَمِ، الوِترُ، جعلهُ الله لكم فيما بينَ صلاةِ العشاءِ إلى أن يَطْلُعَ الفَجْرُ))؛ صحيح الترمذي.
أيها المسلمون، كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يترك الوِتْر، لا حضَرًا ولا سَفَرًا؛ بل وصل الأمر إلى التأكيد عليها عند بعض أهل العلم؛ كالإمام أحمد أنه قال: إن من لم يُوتِر فهو رجل سوء، لا ينبغي أن تُقبَل شهادتُه، ومن الأحاديث التي ورد بها الأمر بالمحافظة على صلاة الوتر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الوِتْرُ حقٌّ على كلِّ مسلمٍ، فمَنْ أحبَّ أن يوترَ بخمسٍ فليفعل، ومَنْ أحبَّ أن يوترَ بثلاثٍ فليفعل، ومَن أحبَّ أن يوترَ بواحدةٍ فليفعَلْ))؛ رواه أبو داود، وخير دليل على فضل تلك الصلاة وكونها من آكد السُّنَن وأعظمها على الإطلاق، التزام النبي صلى الله عليه وسلم بها، وحثُّه الدائم عليها، وهو خير قدوة للمسلمين في أقواله وأفعاله، فقد كان لا يَدَعُها.
نفعني الله وإيَّاكم بهدي نبيه وسُنته -صلى الله عليه وسلم- أقول قُولِي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين والمسلمات، من كل خطيئة وإثم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي لغفور رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، خلَق فسوَّى، وقدَّر فهَدَى، وَصَلَّى الله وسلم على نبي الرحمة والهدى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إن الله وِتْر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن))؛ رواه أبو داود؛ أما بعد:
تعد الصلاة من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل، وهي من أركان الإسلام الخمسة التي يجب على الكبار تعليمها للأطفال عندما يصلون لعمر سبع السنوات، حيث قال رسولنا الكريم: ((مُرُوا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سِنِينَ، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عشرِ سِنِينَ، وفَرِّقُوا بينهم في المضاجعِ))، وإنَّ أفضل دعاء للأبناء هو أن يمُنَّ الله عليهم بالهداية وطاعة الله ثم الالتزام في الصلاة.
يا عباد الله، أجمع العلماء على أن وقت الوتر لا يدخل إلا بعد العشاء، وأنه يمتد إلى الفجر، والأفضل تأخيرُ فعلها إلى آخر الليل، وذلك لمن وثق باستيقاظه؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ خافَ ألَّا يقومَ آخرَ الليل، فَلْيُوتِر أوَّلَه، ومَن طمعَ أنْ يقومَ آخِرَه فَلْيُوتِر آخِرَ الليل، فإن صلاةَ آخرِ الليلِ مشهودةٌ، وذلك أفضلُ))؛ أخرجه مسلم.
هذا وصلُّوا وسلِّموا عباد الله، على نبيِّكم؛ استجابة لأمر ربكم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأعلِ بفضلكَ كلمةَ الحق والدين، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، اللهم وَفِّقْه لِمَا تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفِّقْه ووليَّ عهده إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد، وإلى ما فيه الخير للإسلام والمسلمين، اللهم ارزقهما البطانة الصالحة، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفظ على هذه البلاد عقيدتها، وقيادتها، وأمنها، ورخاءها واستقرارها، وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم اجعلها دائمًا حائزةً للخيرات والبركات، سالمة من الشرور والآفات، اللهم اصرف عَنَّا شر الأشرار وكيد الفجَّار، وشرَّ طوارق الليل والنهار، رُدَّ عَنَّا كيدَ الكائدين، وعدوانَ المعتدين، ومكرَ الماكرين، وحقدَ الحاقدينَ، وحسدَ الحاسدينَ، حسبُنا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ.
اللهم أبرم لأمة الإسلام أمرًا رشدًا، يُعَز فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وألِّف ذات بينهم، وأصلح قلوبهم وأعمالهم، واجمعهم يا حي يا قيوم على العطاء والسنة، يا ذا العطاء والفضل والمنة.
اللهم انصر جنودنا، ورجال أمننا، المرابطين على ثغورنا وحدودنا، اللهم تقبَّل شهداءهم، اللهم اشفِ مرضاهم، وعافِ جرحاهم، وردهم سالمين غانمين.
﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201] ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 127] ﴿ وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 128]، واغفر لنا ولوالدينا ووالديهم، والمسلمين والمسلمات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|