الاستغفار في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
لقد كان نبيُّنا صلى الله عليه وسلم مُكثرًا من الاستغفار، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرةَ قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والله إنِّي لأستغفرُ الله وأتوبُ إليه في اليومِ أكثرَ من سبعينَ مرَّةً".
وعن الأغَرِّ المُزني، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلمقال: "إنِّي لأستغفرُ الله في اليومِ مائةَ مرَّةٍ". وفي لفظٍ: "يا أيها الناسُ توبُوا إلى الله، فإنِّي أتوبُ في اليومِ إليه مائةَ مرَّةٍ". أخرجه مسلم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قالَ: إنْ كنَّا لنَعُدُّ لرسولِ اللهصلى الله عليه وسلمفي المجلسِ الواحدِ مائةَ مرَّةٍ: "ربِّ اغفِرْ لي وتُبْ عليَّ، إنَّك أنت التَّوَّابُ الرَّحيمُ". إسناده صحيح: أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة.
وأخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلميُكثِرُ أن يقولَ قبلَ أن يموتَ: "سبحانَك وبحمدِك، أستغفِرُك وأتوبُ إليكَ"، قالت: قلتُ يا رسولَ الله، ما هذه الكلماتُ التي أرَاك أحدثتَها تقولُهَا؟ قال: "جُعِلتْ لي علامةٌ في أمتِي إذا رأيتُها قلتُها": ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: 1] إِلى آخرِ السُّورةِ.
قال ابن تيمية رحمه الله: "العبدُ دائمًا بين نعمةٍ من الله يَحتاجُ فيها إلى شُكرٍ، وذنبٍ منه يَحتاجُ فيه إلى استغفارٍ، وكلٌّ من هذين من الأمورِ اللازمةِ للعبدِ دائمًا؛ فإنَّه لا يزالُ يتقلَّبُ في نعمِ الله وآلائِه، ولا يَزالُ محتاجًا إلى التوبةِ والاستغفارِ، ولهذا كانَ سيدُ ولدِ آدم وإمامُ المتقينَ يَستغفِرُ في جميعِ الأحوالِ".
استغفار النبي صلى الله عليه وسلم في صلاتِه:
في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يدعو بهذا الدعاءِ: "اللهم اغفِرْ لي خَطيئتِي وجَهلِي، وإسرافِي في أمرِي، وما أنت أعلمُ به مني، اللهم اغفِرْ لي جِدِّي وهَزلِي، وخَطئِي وعمْدِي، وكلُّ ذلك عندي، اللهم اغفِرْ لي ما قدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسرَرْتُ وما أعلَنْتُ، وما أنت أعلمُ به مِنِّي، أنت المُقدِّمُ وأنت المُؤخِّرُ، وأنت على كلِّ شيءٍ قديرٌ".
1- في دعاء الاستفتاح؛ ففي صحيح مسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّه كانَ إذا قامَ إلى الصَّلاةِ، قال: "وجَّهْتُ وجهِي للذي فطرَ السَّماواتِ والأرضِ حنيفًا، وما أنا مِن المشركين، إنَّ صلاتي، ونُسُكِي، ومَحياي، ومَمَاتِي لله ربِّ العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمرْتُ وأنا من المسلمين، اللهم أنت المَلكُ لا إله إلا أنت أنت ربِّي، وأنا عبدُك، ظلمتُ نفسي، واعترفتُ بذنبِي، فاغفِرْ لي ذنوبِي جميعًا، إنَّه لا يغفِرُ الذنوبَ إلا أنتَ".
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يسكُتُ بين التكبيرِ وبين القراءةِ إسكَاتةً - قال أحسبُه قال: هُنَيَّةً - فقلت: بأبي وأمي يا رسولَ الله، إسكاتُك بين التكبيرِ والقراءةِ ما تقولُ؟ قال: "أقول: اللهم باعِدْ بيني وبين خَطايَاي، كما باعدْتَ بين المشرق والمغرب، اللهم نَقِّنِي من الخطَايا كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنَسِ، اللهم اغسِلْ خطَاياي بالماءِ والثلجِ والبرَدِ".
2- في ركوعه وسجوده؛ ففي الصحيحين عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُكثِرُ أن يقولَ في ركوعِه وسجودِه: سبحانَك اللهمَّ ربَّنَا وبحمدِك، اللهمَّ اغفِرْ لي "يَتأوَّلُ القرآن".
وأخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقولُ في سجودِه: اللهمَّ اغفِرْ لي ذنبِي كلَّه دِقَّه، وجِلَّه، وأولَه وآخرَه وعلانيتَه وسِرَّه".
3- في التشهد؛ أخرج مسلم عن علي رضي الله عنه قال:.. ثم يكونُ من آخرِ ما يقولُ بينَ التشهُّدِ والتسليمِ - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم -: "اللهم اغفِرْ لي ما قدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسرَرْتُ وما أعلنْتُ، وما أسرفْتُ، وما أنت أعلمُ به مِنِّي، أنت المُقدِّمُ وأنت المُؤخِّرُ، لا إله إلا أنت".
4- بعد التسليم من الصلاة؛ أخرج مسلم عن ثوبان رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرفَ من صلاتِه استغفرَ ثلاثًا، وقال: "اللهمَّ أنت السَّلامُ ومنك السَّلامُ، تباركتَ ذا الجلالِ والإكرامِ"، قال الوليد: فقلت للأوزاعي: " كيفَ الاستِغفارُ؟ قال: تقولُ: أستغفرُ الله، أستغفرُ الله".
أوقاتٌ كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يستغفرُ فيها:
1- عند الخروجِ من الخلاءِ؛ أخرج أبو داود بسند حسن عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا خرَجَ من الخلاءِ قال: "غُفرانَك".
2- عندما يتعارُّ من الليل؛ أخرج البخاري عن عُبَادة بن الصَّامت رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "من تعَارَّ من الليلِ فقال: لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، له المُلك وله الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، الحمدُ لله، وسبحانَ الله، ولا إله إلا الله، والله أكبرُ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفِرْ لي - أو دعا - استُجِيبَ له، فإنْ توضَّأَ وصَلَّى قُبِلَتْ صلاتُه".
3- عند خِتامِ المجلسِ؛ أخرج أبو داود وغيره بسند حسن عن أبي بَرزة الأسْلَميِّ رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول بآخرَةٍ إذا أرادَ أن يقومَ من المجلس: "سبحانَك اللهمَّ وبحمدِك، أشهدُ أن لا إله إلا أنتَ، أستغفِرُك وأتوبُ إليك". فقالَ رجلٌ: يا رسولَ الله، إنَّك لتَقُولُ قولًا ما كنتَ تقولُه فيما مضَى. فقال: "كفَّارَةٌ لِمَا يكونُ في المَجلسِ".
4- عند ركوب الدابة؛ فعند أبي داود وغيره بسند حسن عن عليِّ بنِ ربيعةَ رحمه الله قال: رأيتُ عليًّا أُتِيَ بدابةٍ ليركَبَها، فلمَّا وضَعَ رجلَه في الرِّكابِ قال: بسمِ الله، فلمَّا استوَى عليها قال: "الحمدُ لله، سبحانَ الذي سخَّرَ لنا هذا وما كنا له مُقْرِنينَ، وإنَّا إلى ربِّنا لمُنقَلِبون، ثم حَمِدَ الله ثلاثًا، وكبَّرَ ثلاثًا، ثم قالَ: سبحانَك لا إله إلا أنت، قد ظلَمْتُ نفسِي، فاغفِرْ لي". ثم ضَحِكَ، فقلت: مِمَّ ضحِكْتَ يا أميرَ المؤمنين؟ قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل ما فعلت، ثم ضحك، فقلت: مِمَّ ضحِكْتَ يا رسولَ الله؟ قال: "يَعجَبُ الرَّبُّ من عبدِه إذا قالَ: ربِّ اغفِرْ لي، ويقولُ: عَلِمَ عبدِي أنَّه لا يغفِرُ الذنوبَ غيرِي".
5- في آخر حياته؛ سبق عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُكثِرُ أن يقولَ قبلَ أن يموتَ: "سبحانَك وبحمدِك، أستغفِرُك وأتوبُ إليكَ".
6- عند موته صلى الله عليه وسلم؛ ففي الصحيحين عن عائشةَ رضي الله عنها، أنها أخبرَتْه أنها سمعَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ قبل أنْ يموتَ وهو مُسنِدٌ إلى صدْرِها، وأصْغَتْ إليه، وهو يقولُ: "اللهمَّ اغفِرْ لي وارحَمْنِي، وألحِقْنِي بالرفيقِ".
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|