شرح حديث أبي هريرة: "بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه"
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بينما رجلٌ يمشي في حُلَّةٍ تُعجِبُه نفسُه، مرجِّلٌ رأسه، يختال في مشيته، إذ خسَفَ الله به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة))؛ متفق عليه.
((مرجِّل رأسه)) أي: ممشِّطه، ((يتجلجل)) بالجيمين؛ أي: يغوص وينزل.
قَالَ سَماحةُ العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
ثم ذكَرَ المؤلف رحمه الله حديث أبي هريرة الآخَرَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((بينما رجلٌ يمشي في حُلَّةٍ تُعجِبُه نفسه، مرجلٌ رأسه، يختال في مشيته))؛ أي: عنده من الخيلاء والكبرياء والغطرسة ما عنده ((إذ خسف الله به))؛ أي: خسف به الأرض، ((فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة))؛ يعني انهارت به الأرض وانغمس فيها واندفن، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة؛ لأنه والعياذ بالله لما صار عنده هذا الكبرياء وهذا التيه وهذا الإعجاب، خُسِف به.
وهذا نظير قارون الذي ذكره المؤلِّف رحمه الله في صدر الباب، فإن قارون خرج على قومه في زينته ﴿ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾ [القصص: 79 - 81].
وقوله: ((يتجلجل في الأرض)) يحتمل أنه يتجلجل وهو حيٌّ حياة دنيوية، فيبقى هكذا معذَّبًا إلى يوم القيامة، معذبًا وهو في جوف الأرض وهو حي، فيتعذب كما يتعذب الأحياء، ويحتمل أنه لما اندفن مات، كما هي سنة الله عز وجل، مات ولكن مع ذلك يتجلجل في الأرض وهو ميت، فيكون تَجلجُلُه هذا تجلجلًا برزخيًّا لا تُعلَمُ كيفيته، والله أعلم، المهم أن هذا جزاؤه والعياذ بالله.
وفي هذا وما قبله وما يأتي بعده دليلٌ على تحريم الكِبر وتحريم الإعجاب، وأن الإنسان يجب عليه أن يَعرِفَ قدر نفسه وينزلها منزلتها، والله الموفق.
المصدر: «شرح رياض الصالحين» (3/ 553- 554)
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|