اللِّباس من نِعَمِ الله تعالى على الإنسان:
قال الله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ [الأعراف: 26]، وقال تعالى: ﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ ﴾ [النحل: 81]، وقال تعالى عن الجنة: ﴿ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى ﴾ [طه: 118، 119].
• والله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.
عن عمران بن حصينٍ رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يحبُّ إذا أنْعَمَ على عبدٍ أن يرى أثر نعمته عليه))؛ [رواه البيهقي]، والمراد بإظهار نعمة الله تعالى على العبد في اللباس: أن يكون بغير قصد الخُيَلَاء، والفخر، وكسر قلوب الفقراء واحتقارهم.
والأصل في جميع أنواع اللباس الإباحة، إلا ما جاء الدليل بالنهي عنه؛ وأصول المحرمات في اللباس ثلاثة:
أولًا: الذهب والفضة، والحرير للرجال؛ كما في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تلبَسوا الحرير؛ فإن من لبِسه في الدنيا لم يلبَسْهُ في الآخرة))، وفي رواية: ((إنما يلبَس الحرير من لا خَلَاقَ له))؛ أي: لا نصيب له.
وروى البخاري عن حذيفة رضي الله عنه، قال: ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، وعن لُبْسِ الحرير والدِّيباج، وأن نجلس عليه)).
وعن أبي موسى رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أُحِلَّ الذهبُ والحرير لإناث أُمَّتِي، وحُرِّم على ذكورهم))؛ [رواه أحمد، والنسائي، والترمذي، وصححه].
ثانيًا: التشبُّه: إما بالكفار فيما اختصوا به، وإما تشبُّه الرجال بالنساء، والعكس.
ثالثًا: الإسراف والتبذير، وإضاعة المال في ذلك.
1- عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: ((كان أحبَّ الثيابِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبَسُه القميصُ))؛ [رواه أبو داود، وابن ماجه، والنسائي].
• القميص: وهو ما يفصَّل على هيئة البدن، وينزِل تحت الركبة، وكان يحبه؛ لأنه أستر، ولأنه قطعة واحدة، يلبسها الإنسان مرة واحدة، فهي أسهل من أن يلبس الإزار أولًا، ثم الرداء ثانيًا.
• وهو الذي يسمى: الثوب، وليس القميص الذي يُلبَس مع البنطال.
2- عن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه، قال: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهطٍ من مُزَيْنَةَ لنبايعه، وإن قميصَه لَمُطلَق - أو قال: زِرُّ قميصه مطلق - قال: فأدخلت يدي في جَيْبِ قميصه، فمَسِسْتُ الخاتَم))؛ [رواه أبو داود، وابن ماجه].
• رهط: قوم الرجل وعشيرته، أو من ثلاثة إلى عشرة.
• وإن قميصه لَمُطلَق: أي: محلول غير مزرور، والجيب: الفتحة في الصدر، أو المراد به الطوق الذي يخرج منه الرأس.
• الحديث فيه جواز فتح الأزرار، وترك فتحة الصدر، لكن لا يتكلف الإنسان ذلك؛ لأنه لم يفعل ذلك أحد من كبار الصحابة، ولم يعتبروا ذلك من السُّنَّة.
3- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شاكيًا، فخرج وهو يتكئ على أسامةَ بنِ زيد، عليه ثوب قَطَرِيٌّ قد توشَّح به، فصلَّى بهم))؛ [رواه ابن حبان، وأحمد].
• توشَّح به: أي: وضعه على عاتقيه كالوشاح؛ بأن يغطي كتفه، ويلُفَّ باقي الثوب على جسمه.
4- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجدَّ ثوبًا سماه باسمه، عمامةً أو قميصًا أو رداءً، ثم يقول: اللهم لك الحمد كما كَسَوتَنِيهِ، أسألك خيره وخير ما صُنِعَ له، وأعوذ بك من شره وشر ما صُنِعَ له))؛ [رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي].
• هذا الحديث: في بيان ما يقوله الإنسان إذا لبِس ثوبًا جديدًا.
• استجد: أي: إذا لبس ثوبًا جديدًا.
• سمَّاه باسمه: أي: إذا كان عمامة سماه عمامة، وإذا كان رداء سماه رداء، وهكذا.
• أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له: فإن خير الثياب أن تطيع الله فيه، وشر الثياب أن تعصي الله فيه، ويحملك على الكِبْرِ، وأن تختال في مِشْيَتِك.
قال العثيمين رحمه الله: "الحكمة من هذا الدعاء؛ لأنه ربما يكون هذا سببَ شرٍّ عليك:
• ربما تأكل النار طرفه ثم تتَّقد، حتى تشمل هذا اللباس وتقضي عليك أنت.
• ربما تكون فيه أشياء سامة ما تعلم عنها شيئًا.
• قد يُصنع ويكون سببًا للشر؛ كأن يحمل صاحبه على الكِبْرِ والترفُّع على الناس، أو قد يكون سببًا للفتنة وهي من أعظم الشر والفساد؛ كتلك الألبسة التي تتفنَّن النساء في صُنْعِها مضاهاة لغيرهن من نساء الغرب الكافرات.
5- في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبَسه الحِبَرَةُ)).
• الحِبَرَة: وهي ثياب من نوع برود اليمن، تُتَّخَذ من كتان أو قطن، ومُحبَّرة أي مُزيَّنة.
6- عن أبي جحيفة رضي الله عنه، قال: ((رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه حُلَّة حمراء، كأني أنظر إلى بريق ساقيه))؛ قال سفيان: أراها حِبَرَة.
• قال العثيمين رحمه الله: "وهذه الحلة الحمراء؛ يعني: أن أعلامها حُمر ليست سودًا، ولا خضرًا؛ لأن الأحمر الخالص قد ثبت نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن لبسه".
• كأني أنظر إلى بريق ساقيه: وهذا معناه أنه كان لا يُسبِل ثوبه.
7- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالبياض من الثياب، لِيَلْبِسْها أحياؤكم، وكفِّنوا فيها موتاكم؛ فإنها من خير ثيابكم)).
8- عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((البَسوا البياض؛ فإنها أطهر وأطيب، وكفِّنوا فيها موتاكم)).
• قالوا: ليتذكر لباس الباطن الذي يُدنَّس بالذنوب والمعاصي؛ وذلك من جهة أن البياض إذا اتَّسخ أدنى اتساخ ظهر فيه، فيبادر الإنسان إلى غسله، بخلاف الثياب الأخرى فربما تتراكم عليها الأوساخ، ولا يشعر بها ولا يغسلها، وإذا غسلها، فلا يدري هل تنظف أم لا؟
• قال العثيمين رحمه الله: "لكن لو أنه لبس من لون آخر، فلا بأس بشرط ألَّا يكون مما يختص لبسه بالنساء؛ فإن كان مما يختص لبسه بالنساء فإنه لا يجوز أن يلبسه الرجل".
9- عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة، وعليه مِرْطٌ من شعر أسود)).
• مرط: كساء طويل واسع من شعر أو صوف.
10- عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم لبِس جُبَّةً رومِيَّةً ضيِّقة الكُمَّين)).
• جبةً روميةً: ثوب سابغ إلى القدمين، تشبه العباءة.
• من خلال مجموع هذه الأحاديث: نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم، لبِس القميص، الحِبَرَة، ثوبًا قِطَرَيًّا، حلة حمراء، جبةً روميةً؛ وهذا معناه: أن الأمر في ذلك واسع، ويُرجع فيه إلى العرف، ما لم يكن فيه نهيٌ.
• مسألة الإسبال والخيلاء في اللباس.
إن الشرع لم يترك لنا أن نلبس حسب الهوى أو العُرف، وإنما جعل لنا حدًّا مستحبًّا وآخر جائزًا، وما عداهما فمحرم، وقد جاءت نصوص كثيرة صحيحة ومتواترة تحذرنا من هذا الأمر الذي تساهل فيه كثير من الناس، وترخَّص فيه آخرون.
ففي صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء فقال: يا عبدَالله، ارفع إزارك، فرفعته، ثم قال: زِدْ، فما زلت أتحرَّاها بعدُ، فقال بعض القوم: إلى أين؟ فقال: أنصاف الساقين)).
وعن حذيفة رضي الله عنه، قال: ((أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضلة ساقي - أو ساقه - فقال: هذا موضع الإزار، فإن أبَيتَ فأسفل، فإن أبيت فلا حق للإزار في الكعبين))؛ [رواه الترمذي وصححه الألباني]، وفي رواية: ((موضع الإزار إلى أنصاف الساقين والعضلة...)).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الإزار إلى نصف الساق، فلما رأى شدة ذلك على المسلمين – يعني: خوفًا من شدة البرد وشدة الحر - قال: إلى الكعبين لا خير فيما أسفل من ذلك؛ [صححه الألباني].
وفي السنن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إزْرَةُ المسلم إلى نصف الساق، ولا حرج - أو لا جناح - فيما بينه وبين الكعبين، ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، من جرَّ إزاره بَطَرًا لم ينظر الله إليه))، وفي رواية: ((إزْرَةُ المؤمن إلى أنصاف ساقيه...)).
وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إزرة المؤمن إلى عضلة ساقيه، ثم إلى الكعبين، فما كان أسفل من ذلك ففي النار))، وفي رواية أخرى: ((فإن أبيتَ فأسفل، فإن أبيتَ فلا حقَّ للإزار في الكعبين)).
خطورة الإسبال:
1- فما أسفل الكعبين فهو في النار.
• ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما أسفل من الكعبين من الإزار، ففي النار)).
• قال ابن حجر في شرحه للحديث: "أي: ما دون الكعبين، من قدم صاحب الإزار المسبل، فهو في النار؛ عقوبةً له على فعله".
2- ومما يبين لنا خطورة الإسبال أنه من الكبائر الموبقات، فمن أشد الأحاديث وعيدًا في التحذير من الإسبال.
• ما رواه مسلم عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: الْمُسْبِل إزاره، والمنَّان، والمنفق سلعته بالحَلِفِ الكاذب)).
فأي وعيد وتهديد أشد من ذلك؟!
• لا ينظر إليهم معناه: أنه غضب عليهم؛ لأن نظرة الله تعالى لعبادة يوم القيامة نظرة رحمة وعطف.
3- فإذا كان هذا الإسبال للخيلاء، فهذا صاحبه على خطر عظيم.
• روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من جرَّ ثوبه خُيَلاءً، لم ينظرِ الله إليه يوم القيامة)).
• وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بَطَرًا)).
• وعن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: ((بينا رجل يجر إزاره، إذ خُسف به، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة)).