فداء أسرى معركة بدر
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمْ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 70].
وقد تباين فداء الأسرى، فمن كان ذا مال فداؤه أربعة آلاف درهم، وممن أخذ منه أربعة آلاف درهم أبو وداعة، وأخذوا من العباس مائة أوقية، ومن عقيل بن أبي طالب ثمانين أوقية، دفعها عنه العباس، وأخذوا من آخرين أربعين أوقية فقط.
وأطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سراح عمرو بن أبي سفيان مقابل أن يطلقوا سراح سعد بن النعمان بن أكال، الذي أسره أبو سفيان وهو يعتمر، ومن لم يكن لديهم مقدرة على الفداء، وكانوا يعرفون الكتابة جعل فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة، كما سيأتي قريباً.
روى أبو داود في سننه من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة[1].
قال ابن إسحاق: وكان في الأسرى أبو وداعة بن ضبيرة السهمي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن له بمكة ابنًا كيساً تاجراً ذا مال، وكأنكم به قد جاء في طلب فداء أبيه" فلما قالت قريش: لا تعجلوا بفداء أسراكم لا يأرب[2] عليكم محمد وأصحابه. قال المطلب بن أبي وداعة: وهو الذي كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنى؛ صدقتم، لا تعجلوا، وانسل من الليل، وقدم المدينة فأخذ أباه بأربعة آلاف درهم، فانطلق به[3].
قال ابن كثير: وكان هذا أول أسير فدي، ثم بعثت قريش في فداء أسراهم، فقدم مكرز بن حفص بن الأخيف في فداء سهيل بن عمرو، وكان الذي أسره مالك بن الدخشم أخو بني سالم بن عوف[4].
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "فادى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسارى بدر، وكان فداء كل رجل منهم أربعة آلاف"[5].
قال ابن هشام: "وكان أبو عزيز صاحب لواء المشركين ببدر، بعد النضر بن الحارث، فلما قال أخوه مصعب بن عمير لأبي اليسر - وهو الذي أسره - ما قال، قال له أبو عزيز: يا أخي، هذه وصاتك بي؟ فقال له مصعب: إنه أخي دونك، فسألت أمه عن أغلى ما فدي به قرشي، فقيل لها: أربعة آلاف درهم، فبعثت بأربعة آلاف درهم، ففدته بها"[6].
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فداءهم أن يعلِّموا أولاد الأنصار الكتابة، قال: فجاء يوماً غلام يبكي إلى أبيه، فقال: ما شأنك؟ قال: ضربني معلمي. قال: الخبيث يطلب بذَحْل[7] (بفتح الذال، وسكون الحاء) بدر والله لا تأتيه أبداً[8].
ومما يدل على أنه كان بالإمكان إطلاق سراحهم جميعاً بدون فداء قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "لو كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له"[9]، وذلك لما قام به من حماية للرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما عاد من هجرته إلى الطائف، ودوره في تمزيقه صحيفة المقاطعة.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|