أخلاق الحبيب ﷺ وأصحابه (1)
قال عمر -رضي الله عنه-: "لأقولن شيئًا يُضحك النبي ﷺ".
علّق ابن حجر في فتح الباري:
"فيه استحباب من رأى صاحبه مهمومًا أن يُحدّثه بما يُزيل همّه ويطيب نفسه"
عن جابرِ بن سمرة قال: "صليتُ مع رسول الله ﷺ صلاة الأولى، ثُمَّ خرجَ إلى أهلهِ وخرجتُ معه، فاستقبله ولدانٌ، فجعلَ يمسحُ خَدَّيْ أحدِهم واحدًا واحدًا،
قال: وأمَّا أنا فمسح خَدِّي، قال: فوجدتُ ليدهِ بردًا أو ريحًا كأنَّما أخرجَها من جُؤْنَةِ عطَّار". رواهُ مسلم.
هذا من حنانهِ ﷺ، وتواضعه، وتلطُفه، وحُسن تعامله مع النَّاس،
وهذا لا ينساه الصغارُ أبدًا، خاصّة من القادة، وفي صحيح البُخاري:
قال: ابن الزبير لابن جعفر -رضي الله عنهم- أتذكرُ إذ تلقَّيْنا رسول الله ﷺ أنا وأنت، وابنُ عباس قال: «نعم فحملنا وتركك».
فاعتنوا بهذا جزاكم اللهُ خيرًا.
د. رقيّة المحارب
عن أنس بن مالك قال: نظر رسول الله ﷺ إلى أُحد فقال: "إنَّ أُحدًا جبلٌ يُحِبُّنا ونُحِبُّه". رواه مسلم.
الذي عند الناس أنَّ أُحدًا جبل هُزم عنده النبي ﷺ، فالمتبادر إلى النفس التشاؤم والحزن، فقال النبي ﷺ هذا تفاؤلًا، ويُبيّن أنَّ أُحدًا لا دخل له.
فإذا فعل النبي ﷺ هذا مع الجماد، ومع الحيوان، فكيف ترين تعامله مع المؤمنين؟
وكيف ترين تعامله مع أهله؟
ومع أفاضل أهله؟
د. رقية المحارب.
عن جابر -رضي الله عنه- أنّ النبيّ ﷺ سأل أهله الأُدمَ فقالوا:
ما عِندنَا إلا خلٌّ، فدَعا بهِ فجعل يأكلُ ويقول: "نِعْمَ الأُدْمُ الخلُّ، نِعْمَ الأُدْمُ الخلُّ". رواهُ مسلم.
-من هدي النبي ﷺ أنّه إذا أعجبه الطعام أثنى عليه، وهذا من سُنّته ﷺ.
ش. ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين.
-وقوله ﷺ ذلك ليس معناه أنّه أفضل الطعام، وإنّما هو من باب المواساة لمن أعطاه، وللنفس.
وهناك نقطة مهمّة:
الناس إذا مدحتَ الطعام قبل الأكل استشرفت له نفوسهم، وإذا ذممته؛ فإنّهم يتقذّرونه ولو كانوا يُحبّونه.
د. رقيّة المحارب.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه -قال:" قبّل النبي ﷺ الحسن بن علي رضي الله عنهما، وعندهُ الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله ﷺ فقال: "من لا يَرحم لا يُرحم" [٥٩٩٦] صحيح البخاري.
ففي هذا دليلٌ على أنه ينبغي للإنسان أن يستعمل الرحمة في معاملة الصغار ونحوهم، وأنه ينبغي للإنسان أن يقبّل أبناءه، وأبناء بناته، وأبناء أبنائه، يقبلهم رحمة بهم، واقتداءً برسول الله ﷺ
أما ما يفعله بعض الناس من الجفاء والغلظة بالنسبة للصبيان، فهذا خلاف السنة وخلاف الرحمة.
*شرح رياض الصالحين -بتصرّف-.
عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله ﷺ كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله ﷺ ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها. صحيح البخاري.
وهذا من لطفه ﷺ فأين هذا الخلق من أخلاقنا اليوم؟
الآن لو يجد الإنسان صبيه في المسجد أخرجه فضلاً عن كونه يحمله في الصلاة، ففي هذا وأمثاله دليلٌ على أنه ينبغي للإنسان أن يرحم الصغار، ويلطف بهم، وأن ذلك سبب لرحمة الله عزّ وجلّ، نسأل الله أن يعمنا وإياكم برحمته ولطفه وإحسانه.
ش/ ابن عثيمين رحمه الله -بتصرّف-
يستحب للإنسان إذا رأى أحداً حزيناً أن يسأله عن ذلك، فالنبي ﷺ كان يسأل من يلقى من أصحابه إذا كان حزيناً أو مهموماً، فربما كانت له حاجة فيقوم بقضائها أو هم يقوم بتفريجه أو كربة يقوم بتفريجها
ولا يقوم بذلك إلا غني الخُلق عظيم الكرم في الأدب كما كان رسول الله ﷺ.
تعليق الشيخ الطريفي على سنن ابن ماجه.
كان النبي ﷺ يخطب على جذع، فلما وُضع له المنبر وترك الجذع سُمع حنين الجذع له!
نزل فضمّه حتى سكن.
يُسن ضم المحزون زوجة وولداً وبهيمة، أولى من الجماد.
عن أنسٍ رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله أين أبي قال "في النار" فلما قفى دعاه فقال: "إن أبي وأباك في النار" صحيح مسلم.
هو من حسن العشرة للتسلية بالاشتراك في المصيبة؛
ونجد ذلك أيضاً في حديث عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك، إذ قالت:
(...فبينا هما جالسان عندي، وأنا أبكي، إذ استأذنت امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي)
فالمواساة رباط اجتماعي وثيق ولا ينسى الإنسان من يواسيه.
فاعتنوا بذلك رعاكم الله.
في قصّة إيذان النبي ﷺ بتوبة الله على كعب بن مالك:
قال كعب: "وانطلقتُ إلى رسول الله ﷺ فتلقاني الناس فوجًا فوجًا، يُهنّوني بالتوبة،
يقولون: لتهنكَ توبةُ الله عليك!
قال كعب: حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله ﷺ جالس حوله الناس، فقام إليّ طلحةُ بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني، والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة". صحيحُ البُخاري.
فإذا بُشّر أحد إخوانك بخير فتفاعل مباشرة وأظهر سعدك، ولن ينساها لك.
من الآداب النبوية اللطيفة، التي تترك أثرًا عظيمًا في نفس السامع؛ الدعاء له ولوالديه بالخير.
تأمل دعوة نبيك ﷺ:
"اللهم اغفر لحذيفة وأُمِّه".
يستحب التبسم عند تلاقي النظر.
ففي الصحيحين عن جرير في وصف رسول الله ﷺ: {ولا رآني إلا تبسم في وجهي}
كان رسول الله ﷺ سهلاً ليناً في التعامل مع زوجته، فإذا هويت شيئاً لا محذور فيه تابعها عليه.
عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- في وصف حجة رسول الله ﷺ أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيتِ حتى حججت) قال جابر: (وكان رسول الله ﷺ رجلاً سهلاً، إذا هويت الشيء تابعها عليه)
رواه مسلم [١٢١٣]
"رجلاً سهلاً" أي سهل الخلق، كريم الشمائل، لطيفاً ميسراً في الخلق، كما قال الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)
عن المقدام بن معديكرب عن النبي ﷺ قال: (إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه) ٥١٢٦/صحيح -أبو داوُد.
حتى يفرح ويأنس به.
عن عبد الله بن عمرو قال ما رُئي رسول الله ﷺ يأكل متكئا قط ولا يطأ عقبه رجلان. ٣٧٧٢/صحيح -أبو داوُد
أي لا يمشي قدام القوم، بل يمشي في وسط الجمع أو في آخرهم تواضعاً.
والنبي ﷺ كان معلماً،
وفي هذا لطافة أن المعلم والمربي إذا مشى مع طلابه أن يجعلهم عن يمينه أو يكون وسطهم فذلك أبلغ أثرا في النفوس وآنس لهم.
القرب والحنو من الناس وتعليمهم بالعاطفة والرحمة، هكذا كان هدي نبيكم ﷺ.
أ.د/ رقية المحارب.
دعا رسول الله ﷺ لأنس فقال: "اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته". رواه مسلم.
قال النووي: فيه هذا الأدب البديع وهو أنه إذا دعا بشيء له تعلق بالدُّنيا ينبغي أن يضم إلى دعائه طلب البرَكة فيه والصيانة.
عن عبد الله بن مغفل أن رسول الله ﷺ قال: (إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف) ٤٨٠٩/صحيح -أبو داوُد
وهذا من جانبين:
الأول الأجر، والثاني أثر الرفق؛ فإن الرفق يؤثر ما لا يؤثر العنف وهذا هدي النبي ﷺ فإنه كان إذا أراد أمراً يقول لو أنكم فعلتم كذا وكذا وهذا ألطف.
د. رقية المحارب.
في قوله ﷺ: "كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة". رواه مسلم.
قال النووي: هذا فيه استحباب الثناء على الشجعان، وسائر أهل الفضائل، لا سيما عند صنيعهم الجميل؛ لما فيه من الترغيب لهم، ولغيرهم في الإكثار من ذلك الجميل، وهذا كله في حق من يأمن الفتنة عليه بإعجاب، ونحوه.
وقال أ. د. علي الصياح:
من طرق إدخال السرور والسعادة على من حولك أسلوب (التشجيع والتحفيز والثناء) فهل جربت ذلك؟
وقد كان نبينا ﷺ يستخدمه كثيرًا، كقوله لأشـج عبد القيس: "إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم، والأناة" رواه مسلم.
يُستحبُ للإنسان إذا سَار أو حدّثَ إنسانًا أن يأخذ بيده.
ولهذا النبي -صلى الله عليه وسلم -" نادى أُبيّ بن كعب وهو يُصلي، فلمّا فرغ من صلاته لَحِقَه، فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يَدَه على يَدِه، وهو يُريد أن يخرج من باب المسجد ".
فهو أقربُ للود وأرعى لِسمع الإنسان.
تعليق الشيخ عبد العزيز الطريفي على الموطأ.
عن ابن عمر قال قال رسول الله ﷺ: (لو تركنا هذا الباب للنساء) سنن أبي داوُد، ٤٦٢/صحيح.
(لو تركنا هذا الباب) أي باب المسجد الذي أشار النبي ﷺ (للنساء) لكان خيرا وأحسن لئلا تختلط النساء بالرجال في الدخول والخروج من المسجد.
عون المعبود.
هذا فيه فائدة تربوية:
الأمور التي كان النبي ﷺ يختارها رفقاً بالناس، ولا يريد التشديد عليهم بها فإنه يستخدم أسلوب (لو)، وهذا أسلوب جميل في الطلب خاصة لو كان الأمر غير ملزم، وفيه أدب وذوق.
أ.د/ رقية المحارب.
عن أبي حذيفة عن حذيفة قال: "كنا إذا حضرنا مع النبي ﷺ طعاماً لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله ﷺ." صحيح مسلم.
علّق النووي -رحمه الله-:
(فيه بيان هذا الأدب وهو أنه يبدأ الكبير والفاضل في غسل اليد للطعام وفي الأكل)
قال ﷺ عن الجذع: (إن هذا بكى لِمَا فقد من الذِّكر)
إذا كان الجماد يفقد الذكر والقرآن وصحبة الصالحين فلا شك أن قلوب المؤمنين أيضا تضيق وتحزن.
(عن معاوية بن الحكم السلمي قال بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم...) (٣٣/٥٣٧) صحيح مسلم.
فيه بيان ما كان عليه رسول الله ﷺ من عظيم الخُلق الذي شهد الله تعالى له به ورفقه بالجاهل ورأفته بأمته وشفقته عليهم.
وفيه التخلق بخلقه ﷺ في الرفق بالجاهل وحسن تعليمه واللطف به وتقريب الصواب إلى فهمه.
في قوله ﷺ في صحيح مُسلم: "غِفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله".
يؤخذ منه سُنيّة الدُّعاء بما يُشابه الاسم.
عادَ النبي ﷺ وبعضُ أصحابه عليهم رضوان الله سعد بن عُبادة،
قال عبد الله بن عمر: "حتى جئناه، فاستأخر قومُه من حوله؛ حتى دَنَا رسول الله ﷺ وأصحابه". رواه مسلم.
وهذا فيه أدب:
أنه إذا ضاقَ المجلس، يقوم الذين يُحسبون من أهلِ الدار؛ حتى يوسعوا للحضور، وهذا أفضل من تفرقهم في المجالس، وهذه سُنّة محمودة.
د. رقية المحارب.
عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة -رضي الله تعالى عنهما-أنَّ رسول الله ﷺ استعمل رجلا على خيبر، فجاءه بتمرٍ جَنِيبٍ، فقال رسول الله ﷺ: "أكل تمر خيبر هكذا؟"
قال: لا والله، يا رسول الله!
إنّا لنأخذُ الصاعَ من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة!
فقال رسول الله ﷺ: "لا تفعل، بعِ الجَمْعَ بالدِّراهم ثم ابتعْ بالدِّراهم جنيبًا".
الجنيب: الطيّب.
الجمع: التمر المُختلط.
ابتع: اشتر.
صحيحُ البُخاري.
في الحديث:
أن الإنسان المعلّم المربي الآمر بالمعروف والناهي عن المُنكر، أنّه لا ينهَ عن مُنكر إلا ويأمر بمعروف يُغني عنه ويسُد مسدّه،
ومثلُ هذا ما جاءَ في القرآن الكريم:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: ١٠٤] ️
ش. ابن عثيمين -بتصرّف-
من حسن الخُلق مراعاة مشاعر المستغيث بك، والتعاطي معه بما يخفف عنه.
جاء في مسلم أن أبا موسى، قال:
"أتاكم أخوكم المسلم قد أفزع، تضحكون؟! ". *
يُسنّ للمرء إذا رأى في أخيه قذى أو أذى أن يزيله عنه، جاء في صحيح البخاري:
أن عليًا أصابه تراب "فجعل رسول الله ﷺ يمسحه، ويقول: قُم أبا تُراب، قُم أبا تُراب".
وفي الحديث أيضًا:
مُمازحة المُغضب بما لا يغضب منه، بل يحصل به تأنيسه.
(عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: كُنْتُ أَقْعُدُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ يُجْلِسُنِي عَلَى سَرِيرِهِ، فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي، ، فَأَقَمْتُ مَعَهُ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
مَنْ الْقَوْمُ - أَوْ مَنْ الْوَفْدُ؟ - قَالُوا: رَبِيعَةُ.
قَالَ: مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ - أَوْ بِالْوَفْدِ - غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى ...) صحيح البخاري.
قال ابن أبي جمرة: في قوله: "من القوم " دليل على استحباب سؤال القاصد عن نفسه ليعرف فينزل منزلته.
وفيه دليل على استحباب تأنيس القادم.
فتح الباري.
وقال الشيخ عبد العزيز الطريفي في (مرحباً) وهذا من سنة النبي ﷺ، فيشرع لمن قَدِم إليه قادم أن يقول له: مرحباً سواءً ابتدأ بها، أو أن يَرُدّ عليه)
:
لمى الصبحي
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|