شرح حديث أبي هريرة: "إذا صلى أحدكم للناس فليخفف"
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا صلى أحدُكم للناس فلْيُخفِّفْ؛ فإن فيهم الضعيفَ والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدُكم لنفسه، فليُطوِّلْ ما شاء))؛ متفق عليه، وفي رواية: ((وذا الحاجة)).
قال سَماحة العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
ومن الشفقة والرحمة بالمؤمنين أنه إذا كان الإنسان إمامًا لهم، فإنه لا ينبغي له أن يُطيل عليهم في الصلاة؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((إذا أَمَّ أحدُكم الناس فليُخفِّفْ؛ فإن من ورائه السقيمَ والضعيف وذا الحاجة والكبير))؛ يعني مِن ورائه أهل الأعذار الذين يحتاجون إلى التخفيف.
والمراد بالتخفيف ما وافق سُنَّةَ النبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو التخفيف، وليس المراد بالتخفيف ما وافق أهواءَ الناس، حتى صار الإمام يركض في صلاته ولا يطمئنُّ.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: "ما صلَّيتُ وراءَ إمامٍ قطُّ أَخَفَّ صلاةً، ولا أَتَمَّ صلاةً من النبي صلى الله عليه وسلم"، ومع ذلك فكان يقرأ في فجر الجمعة ﴿ الم * تَنْزِيلُ ﴾ السجدة كاملة في الركعة الأولى، و﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ ﴾ كاملةً في الركعة الثانية، وكان يقرأ بسورة الدخان في المغرب، ويقرأ فيها بالمرسلات، ويقرأ فيها بالطُّور، ربما قرأ فيها بالأعراف، ومع هذا فهي خفيفة، قال أنس رضي الله عنه: "ما صلَّيتُ وراءَ إمامٍ قطُّ أَخَفَّ صلاةً، ولا أَتَمَّ صلاةً من النبي صلى الله عليه وسلم".
وليس هذا الحديث حُجَّةً للذين يريدون من الأئمة أن يخفِّفوا تخفيفًا ينقُصُ الأجرَ ويُخالِفُ السُّنَّةَ.
ثم اعلم أنه قد يكون التخفيف عارضًا طارئًا، مثل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، كان يدخُل في الصلاة وهو يريد أن يُطيل فيها، فيَسمَعُ بكاءَ الصبي فيُوجِز؛ مخافةَ أن تَفتَتِنَ أُمُّه.
فإذا حصل طارئ يوجب أن يخفِّف الإنسان صلاته فليُخفِّفْ، لكن على وجه لا يُخِلُّ بالواجب.
فالتخفيف نوعان:
تخفيف دائم: وهو ما وافَقَ سُنةَ النبي صلى الله عليه وسلم.
وتخفيف طارئ: يكون أخَفَّ، وهو ما دعت إليه الحاجة، وهو أيضًا من السُّنة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سَمِع بكاءَ الصبي خفَّفَ الصلاة؛ حتى لا تَفتتِنَ أمُّه، والمهم أنه ينبغي للإنسان مراعاة أحوال الناس ورحْمتُهم.
المصدر: «شرح رياض الصالحين» (2/ 555 - 556).
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|