نماذج في اقتداء الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم
كل مسلم عاقل يعلم أن الصحابة الكرام - رضي الله عنهم أجمعين - هم أفضل الخلق بعد الرسل والأنبياء-عليهم الصلاة والسلام-، وأن قلوبهم أنقى وأتقى قلوباً بعد قلب النبي صلى الله عليه وسلم وقلوب الرسل والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، وهم أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً، وأتقاهم لله -تعالى-، وأكثرهم خشية لله -تعالى-وأفضل منا عند الله - عز وجل -.
جاء في صحيح الإمام مسلم عن أبي بريدة عن أبيه - رضي الله عنه - قال: صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلى معه العشاء، قال: فجلسنا فخرج علينا فقال: (ما زلتم ههنا؟) قلنا: يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا نجلس حتى نصلى معك العشاء قال: (أحسنتم أو أصبتم) قال: فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء فقال: (النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون). [1]
قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى -: (معنى الحديث أن النجوم ما دامت باقية فالسماء باقية، فإذا انكدرت النجوم وتناثرت في القيامة وهنت السماء فانفطرت وانشقت وذهبت، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون) أي: من الفتن والحروب، وارتداد من ارتد من الأعراب واختلاف القلوب ونحو ذلك مما أنذر به صريحاً وقد وقع كل ذلك، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) معناه من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن فيه، وطلوع قرن الشيطان وظهور الروم وغيرهم عليهم وانتهاك المدينة ومكة وغير ذلك وهذه كلها من معجزاته صلى الله عليه وسلم).[2]
واقتداء الصحابة الكرام بالنبي صلى الله عليه وسلم سطرتها كتب علماء الإسلام بصحة الأسانيد والمتون وتناقلها الناس عبر القرون، ومن هذه النماذج الكريمة:
♦ لما رأى الصحابة في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتَمًا مِن ذهب، لبسوا خواتيم من ذهب، فلما خلَعه خلعوا خَواتيمَهم، فعن ابن عمر - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطَنع خاتَمًا مِن ذهب، وكان يَلبسه فيجعَل فصَّه في كفِّه، فصنَع الناس خواتيم، ثم إنه جلس على المنبر فنزعه، فقال: (إني كنتُ ألبس هذا الخاتم وأجعل فصَّه من داخل) فرمى به ثم قال: (والله لا ألبسه أبدًا) فنبَذ الناس خواتيمهم. [3]
♦ حينما خلَع النبي صلى الله عليه وسلم نعلَيه في الصلاة خلع الصحابة نِعالهم؛ تأسيًا ومُتابعة له، فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي بأصحابه إذ خلَع نعليه فوضَعهما على يَساره، فلما رأى ذلك القوم ألقَوا نِعالهم، فلما قضَى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته، قال: (ما حملكم على إلقاء نِعالكم؟) قالوا: رأيناك ألقيتَ نعلَيك فألقَينا نِعالنا، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيها قذرًا)، أو قال: (أذى)، وقال: (إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظرْ فإن رأى في نعلَيه قذرًا أو أذًى فليَمسحه وليُصلِّ فيهما).[4]
♦ زجر الصحابة لمن لا يستجيب لقول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فعن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَمنعوا إماء الله أن يُصلِّين في المسجد) فقال ابنٌ له: (إنا لنَمنعهن)، فغضب غضبًا شديدًا، وقال: (أُحدِّثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: إنا لنَمنعهنَّ؟!(. [5]
♦ عن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - قال: (كنتُ أَضرِب غلامًا لي بالسوط، فسمعتُ صوتًا مِن خلفي: (اعلم أبا مسعود)، فلم أفهم الصوت مِن الغضب، قال: فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول: (اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود) قال: فألقيتُ السَّوط من يدي، فقـال: (اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام)، قال: فقلت: (لا أَضرِب مملوكًا بعده أبدًا). [6]
♦ عن أنس - رضي الله عنه - أن خياطًا دعا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنَعه، قال أنس: (فذهبتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام، فقرَّب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزًا ومرقًا فيه دُبَّاء وقديد، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتتبَّع الدباء مِن حوالي القَصعة، قال: (فلم أزل أُحبُّ الدبَّاء مِن يومئذ). [7]
♦ عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفًا يوم أُحد فقال: (مَن يأخذ مني هذا؟) فبَسطوا أيديهم، كل إنسان منهم يقول: أنا أنا، قال: (فمَن يَأخُذه بحقِّه؟) فأحجَم القوم، فقال سِماك بن خرَشة أبو دُجانة: (أنا آخُذه بحقِّه)، قال: (فأخَذه ففلَق به هام المشركين). [8]
♦ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعَث إلى نسائه، فقُلنَ: ما معَنا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن يضمُّ أو يُضيف هذا؟)، فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلَق به إلى امرأته فقال: أَكرِمي ضَيفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالتْ: ما عِندنا إلا قوت صِبياني، فقال: هيِّئي طعامك، وأَصبِحي سِراجَك، ونوِّمي صِبيانَكِ إذا أَرادوا عشاءً، فهيَّأت طعامَها، وأصبَحتْ سِراجها، ونوَّمت صبيانها، ثم قامت كأنَّها تُصلِح سِراجها فأطفأته، فجعلا يُريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويَين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ضَحِكَ الله أو عَجب مِن فعالكما)، فأنزل الله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر: ٩]. [9]
♦ عن أنس - رضي الله عنه - قال: (كنتُ أسقي أبا عُبيدة وأبا طَلحة وأُبيَّ بن كعب مِن فَضيخ زهر وتمْر، فجاءهم آتٍ فقال: إن الخمر قـد حُرِّمتْ)، فقال أبو طلحة: (قـم يا أنس فأَهرِقها، فأهرَقتُها). [10]
♦ عن رافع بن خَديج –رضي الله عنه-قال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعًا، وطواعيةُ الله ورسوله أنفعُ لنا، نهانا أن نُحَاقِلَ بالأرض فنُكريها على الثُّلُث والرُّبع والطَّعام المسمى». [11]
♦ عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: لما فتَح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، أَصبْنا حُمُرًا خارجًا مِن القرية فطبَخْنا منها، فنادَى مُنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا إن الله ورسوله يَنهيانِكم عنها؛ فإنها رجْس مِن عمل الشيطان)، فأُكفِئت القُدور بما فيها، وإنها لتَفور بما فيها. [12]
♦ عن أبي هريرة –رضي الله عنه-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: (لأُعطينَّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله، يَفتح الله على يديه)، قال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-: (ما أحببت الإمارة إلا يومئذٍ)، قال: فتساوَرتُ لها؛ رجاء أن أُدعَى لها، قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب، فأعطاه إياها وقال: (امشِ ولا تَلتفِت حتى يَفتح الله عليك)، فسار عليٌّ شيئًا ثم وقَف ولم يَلتفِت، فصرخ: يا رسول الله، على ماذا أقاتل الناس؟ فقال: (قاتِلهم حتى يَشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك، فقد منَعوا منكَ دِماءهم وأموالهم إلا بحقِّها وحِسابُهم على الله). [13]
♦ عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: لما استَوى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، قال: (اجلِسوا)، فسَمِع ذلك ابن مسعود فجلَس على باب المسجد، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (تعالَ يا عبدالله بن مسعود). [14]
وفي الختام:
يأتي التأكيد على أن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - نجوم وزينة سماء هذه الأمة، والشرف كل الشرف في إتباعهم، وبذل كل غالٍ من أجل الذب عنهم وحفظ مكانتهم ونشر محبتهم، وقد وردت الأحاديث الكثيرة التي بلغت عنان السماء في فضلهم لأنهم في الحقيقة حلقة الوصل بين الأمة وبين نبيها -صلى الله عليه وسلم- فإذا قطعت هذه الحلقة بأي طريقة يعني قطع صلة الأمة بنبيها -صلى الله عليه وسلم-، وبالتالي فلا يجوز أن يناقش في عدالة الصحابة بعد عدالة الله تعالى ورسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم - لهم، ومن فضله تعالى أن منَّ على الصحابة بالصحبة، فلا يجوز لغيرهم أن يقيس نفسه بهم وأن يجعل من نفسه حكماً عليهم، نسأل الله العلي القدير أن يجمعنا برسولنا -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام ووالدينا ومن أحببناهم في الله وأحبونا فيه في الفردوس الأعلى.
أسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والسداد، وأن يجعلنا جميعاً من المقبولين
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|