تفسير قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ ..)
قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 149].
قوله: ﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه هو الإمام المقتدى به في الصلاة، والرسول الذي للأمة فيه أُسوة، وقد يكون الخطاب له صلى الله عليه وسلم ولكل مسلم مصل.
وهذا أمر ثان بالتوجه في الصلاة إلى المسجد الحرام، تأكيداً للأمر الأول، أي: ومن أي جهة جئت إلى الصلاة وخرجت إليها، وفي أي مكان كنت فتوجه واستقبل جهة المسجد الحرام.
﴿ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ﴾ كما قال تعالى: ﴿ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [البقرة: 147]، وقال تعالى قبل ذلك: ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ [البقرة: 144].
والواو في قوله: ﴿ وَإِنَّهُ ﴾: عاطفة، و"إن" حرف توكيد ونصب، والضمير الهاء اسمها، يعود إلى المصدر المفهوم من الأمر السابق.
﴿ لَلْحَقُّ ﴾ خبر "إن" واللام فيه للتوكيد أي: وإن توليك وتوجهك جهة المسجد الحرام هو الحق الثابت من ربك وما عداه فباطل.
وقوله: ﴿ مِنْ رَبِّكَ ﴾ أي: من خالقك، ومالكك ومدبرك، ومتوليك بربوبيته الخاصة بأوليائه.
﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ الواو: استئنافية، والباء حرف جر زائد من حيث الإعراب مؤكد للنفي من حيث المعنى، والغفلة: السهو والذهول.
﴿ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾"ما" مصدرية، أو موصولة. قرأ أبوعمرو: (يَعمَلوُنَ) بالياء، والضمير الواو يعود إلى المخالفين للنبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب وغيرهم، وقرأ الباقون: ﴿ تَعْمَلُونَ ﴾ بالتاء خطاباً للمسلمين، أو للمسلمين وغيرهم.
أي: وما الله بغافل عن الذي تعملون أو عن عملكم، أو: وما الله بغافل عن الذي يعملون أو عن عملهم، بل هو بصير بهم وبأعمالهم وبكم وبأعمالكم خبير بها، وسيجازيهم ويجازيكم عليها، وفي هذا وعد للمؤمنين المتبعين، ووعيد للمخالفين المعارضين، في أمر القبلة وغيره.
المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|