قوله تعالى: ﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا..)
قوله تعالى: ﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 9].
قوله: ﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾: المخادَعة: المفاعَلة من الخدع، أو الخداع، وهو التغرير.
أي: يعتقدون أنهم يَخدَعون اللهَ بإظهارهم الإيمانَ وإبطانهم الكفرَ، وأن ذلك نافِعُهم عنده، وأن ذلك يرُوج عليه كما يرُوج على بعض المؤمنين، كما قال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ [المجادلة: 18].
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾: معطوف على لفظ الجلالة "الله"؛ أي: ويُخادِعون الذين آمنوا بما يُظهِرون من الإيمان مع كفرهم في الباطن، مداهنةً لِيأمَنوا على أنفسهم وأموالهم، ويعيشوا عيش البهائم.
﴿ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾: قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو "يُخادِعون" بضم الياء وألف بعد الخاء وكسر الدال، وقرأ الباقون "يَخْدَعون" بفتح الياء وسكون الخاء وفتح الدال من غير ألف.
الواو: حالية، و"ما" نافية في الموضعين، و"إلا" أداة حصر؛ أي: وما يَخدَعون في الحقيقة ويضُرُّون بهذا النفاق إلا أنفسَهم، فضررُ خداعِهم محصورٌ فيهم، وعلى أنفسهم، ولا يضرون اللهَ شيئًا، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ﴾ [النساء: 142].
لأن الله عز وجل يعلم سِرَّهم وعلانيتهم، ولا تخفى عليه خافيةٌ من أعمالهم، كما أنهم إنْ خدَعوا المؤمنين في الظاهر، فعاقبةُ خداعهم ونهايته عليهم، وهم المتضررون به لا غيرهم.
﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾: الواو: حالية، أو عاطفة، أي: وما يُحِسُّون، وما يدركون؛ لضعف أحاسيسهم، وموت شعورهم، وجهلهم أنهم في مخادعتهم اللهَ والمؤمنين إنما يَخدَعون أنفسهم، حيث مَنَّوْها الأمانيَّ الكاذبة، وأَورَدوها موارد الشقاء والهلاك والرَّدى.
وهذا لعمرُ الله من أدهى المصائب وأعظم البليات؛ أن يَخدَع الإنسان نفسَه وهو لا يشعر.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|