الدروس العامة المستفادة من معركة بدر (2)
الحادي والثلاثون: أن الهداية بيد الله، يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، فقد هدى الله كثيراً من كفار قريش الذين وقفوا في طريق الدعوة إلى الله، وآذوا المسلمين، وقاتلوهم في غزوة بدر، بل إن بعضهم أصبح من قادة المسلمين الذين شاركوا في معارك فاصلة، ضد الكفار، مثل عكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، وغيرهم.
الثاني والثلاثون: أن الله تعالى أمر بإعداد القوة للأعداء، ولو شاء لهزمهم بالكلام، والتفل في وجوههم، وبحفنة من تراب، كما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكنه أراد أن يبتلي بعض الناس ببعض، بعلمه السابق، وقضائه النافذ.
الثالث والثلاثون: إن غزوة بدر كانت البوابة الأولى لغزوات متتابعة، أدت في النهاية للفتح الكبير، وهو فتح مكة، واندحار الكفر، ورفعة الإسلام وأهله، قال تعالى: ﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾ [الإسراء: 81].
الرابع والثلاثون: أن الله هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته، لا تبلغها أعمالهم، فقيض لهم هذه المعركة ليصلوا إليها.
الخامس والثلاثون: أن المؤمن قد يكره الشيء ويكون خيراً له، وهذا ما حدث في هذه الغزوة، عندما كره فريق من المؤمنين، انفلات العير، والمواجهة مع المشركين في معركة حاسمة، لم يتهيؤوا لها، لا بالعدد ولا بالعدة، وقد جعل فيها خيراً كثيراً، فقتل سبعون من المشركين، وأسر سبعون، وكانت ضربة قاصمة لقريش.
السادس والثلاثون: أن النصر بيد الله، يمنحه من يشاء، وهو الذي نصر المؤمنين ببدر، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123].
السابع والثلاثون: فضل بدر، إذ سماها الله في القرآن باسمها، فقال: ﴿ بِبَدْرٍ ﴾.
الثامن والثلاثون: أن الذليل، وهو الذي يكون عنده نقص في العدد والعدة، قد ينصره الله إذا عوض هذا النقص بالتقوى والصبر، قال تعالى: ﴿ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴾ [آل عمران: 125].
التاسع والثلاثون: أن تقوى الله عز وجل من شكره، لقوله: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123].
الأربعون: أنه يجب على العبد شكر الله على كل حال، ولكنه يتعين ذلك عند تجدد النعم، كالنصر على الأعداء، وغير ذلك، لقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123].
الحادي والأربعون: شهادة الله - عز وجل - لمن حضر بدراً بالإيمان، لقوله تعالى: ﴿ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ ﴾ [آل عمران: 124].
الثاني والأربعون: أن الله نصر المؤمنين بالملائكة ببدر لقوله: ﴿ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ ﴾ [آل عمران: 124].
الثالث والأربعون: أن ذكر عدد الملائكة له فوائد منها ما ذكره الشيخ محمد البوطي:
أ - من أن تقييد البيان الإلهي الملائكة بعدد معين ينطوي على حكم باهرة من أجلها قطع السبيل على من يريد أن يتناول الآية، ويفسر الملائكة بالمعنى الذي يروق له، وهو مجرد الدعم المعنوي.
ب - أن نزول الملائكة للقتال مع المسلمين، إنما هو مجرد تطمين لقلوبهم، واستجابة حسية لشدة استعانتهم اقتضاها أنهم يقفون مع أول تجربة قتال في سبيل الله، لأناس يبلغون ثلاثة أضعافهم في العدد والعدة، وإلا فإن النصر من عند الله وحده، وليس للملائكة أي تأثير ذاتي في ذلك، ومن أجل بيان هذه الحقيقة[1] قال الله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [الأنفال: 10].
الرابع والأربعون: أن النصر بالملائكة ليس خاصاً بأهل بدر، ولكنه عام لكل من جمع هذه الشروط الثلاثة، وهي الإيمان والصبر والتقوى، لقوله: ﴿ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ ﴾ [آل عمران: 124].
ولقوله: ﴿ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴾ [آل عمران: 125].
الخامس والأربعون: أن زيادة الكرب سبب للفرج، لقوله تعالى: ﴿ وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا ﴾ [آل عمران: 125]. ولذلك أدلة كثيرة، قال تعالى: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ﴾[الشرح: 5-6].
السادس والأربعون: مشروعية التبشير، والنهي عن التخذيل، وخاصة في الحروب لقوله: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى ﴾ [آل عمران: 126].
السابع والأربعون: مشروعية فعل كل ما يكون سبباً لاطمئنان قلب المجاهد.
الثامن والأربعون: أن الأسباب المادية إنما يؤخذ بها إذا دعا الشرع إليها، وإلا فالواجب الأول هو التوكل على الله، وتفويض الأمر إليه، والثقة بنصره، قال تعالى: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 126].
التاسع والأربعون: أن الله تعالى عزيز، ومن عزته نصره من يشاء، وهزيمته لمن يشاء، قال تعالى: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126].
الخمسون: أن من حكمته ألا يستأصل جميع الكفار، فإن في ذلك تعطيل لسوق الجهاد، لقوله تعالى: ﴿ لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ ﴾ [آل عمران: 127].
الحادي والخمسون: مشروعية النظر إلى حال الكفار والعصاة، ليعرف المؤمن الطائع قدر نعمة الله عليه، لقوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴾ [إبراهيم: 28].
الثاني والخمسون: أن الأصل في النعم إنما أراد الله بها أن تكون شكراً لله، لقوله تعالى: ﴿ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً ﴾ [إبراهيم: 28].
الثالث والخمسون: أن كفر النعم سبب للنقم، لقوله تعالى: ﴿ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً ﴾ [إبراهيم: 28].
الرابع والخمسون: أن الأحكام القدرية منوطة بقادة الأمم والشعوب، لقوله: ﴿ وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴾ [إبراهيم: 28].
الخامس والخمسون: أن اتباع الرؤساء وطاعتهم في الباطل لا تكون عذراً، لقوله تعالى: ﴿ دَارَ الْبَوَارِ ﴾ [إبراهيم: 28] وفيه آيات أخر[2].
السادس والخمسون: أن الأمم قد تدفع دماءها وأموالها ومقدراتها ثمنًا لأخطاء رؤسائها، لقوله: ﴿ وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴾ [إبراهيم: 28]. فعلى الشعوب أخذ الحذر.
السابع والخمسون: أن من قتل ببدر سواء من الرؤساء أو من الأتباع، مصيرهم النار، لقوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴾ [إبراهيم: 28-29].
الثامن والخمسون: أن من قتل ببدر، أبو جهل وغيره، فإن منزلهم شر منزل، وطعامهم وشرابهم شر الطعام والشراب، وليس كما زعم أبو جهل، أنهم يتزقمون التمر والزبد، قال تعالى: ﴿ وَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴾ [إبراهيم: 29].
التاسع والخمسون: أن من قتل كافراً فجزاؤه الخلود في نار جهنم، لقوله تعالى ﴿ الْقَرَارُ ﴾ [إبراهيم: 29]، وهو حكم جميع الكفار.
الستون: الاختلاف شيء طبعي للبشر، غير أن المتقين لا يستمرون عليه، بل يحرصون على إصلاحه.
الحادي والستون: الاختلاف فساد، وضده الإصلاح، وبه أمر الله - عز وجل - عباده، فقال: ﴿ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾ [الأنفال: 1].
الثاني والستون: أن من لم يطع الله ورسوله فليس بمؤمن، وإن زعم. لقوله تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 1].
الثالث والستون: من هدي القرآن تخويف القلوب من الله.
الرابع والستون: من فضائل القرآن أن تلاوته تزيد الإيمان، لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً ﴾ [الأنفال: 2].
الخامس والستون: أن من لم يزده سماع القرآن إيماناً، زاده بُعداً، لقوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 125]
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|