من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته (أمهات المؤمنين) (3)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أخي القارئ الكريم، هذا هو اللقاء الثالث في الحديث عن (من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته «أمهات المؤمنين»).
ثامنًا: يتجمل ويتزين ويتطيب لأمهات المؤمنين:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: « طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ طَافَ فِي نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا »[1].
في الحديث: « أن السنة اتخاذ الطيبِ للنساء والرجال عند الجماعِ »[2].
وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: «كَانَ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ»[3].
قال الصنعاني: « السواك لأجل السلام على أهله فإنه من أسماء الله، وقيل: لتطييب الفم؛ لأنه ربما يغير فمه عند مخاطبة الناس فإذا دخل بيته تسوك، وكان من حسن معاشرة أهله ذلك»[4].
فكان صلى الله عليه وسلم يحب الطيب ويكثر منه، وعُرف بحسن سمته ومظهره، وبطيب رائحته، وبجمال خَلقه وخُلقه، وكان صلى الله عليه وسلم يألف الناس ويألفونه، ويحبون صحبته، والتحدث معه، وقد حث الإسلام الزوج بالتزين لزوجته، كما يحب أن تتزين له.
تاسعًا: يقرع بين أمهات المؤمنين إذا أراد سفرًا ويسافر بمن خرجت قرعتها:
كان صلى الله عليه وسلم يقرع بين زوجاته إذا أرد السفر، عن عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا »[5].
فالقرعة سببها (ليعدل بينهم، وتطمئن قلوبهم وترتفع الظنة عمن تولى قسمتهم، ولا يفضل أحد منهم على صاحبه إذا كان المقسوم من جنسٍ واحد اتباعًا للكتاب والسنة، قال أبو عبيد: وقد عمل بالقرعة ثلاثة من الأنبياء: يونس وزكريا ومحمد نبينا، قاله ابن المنذر»[6].
عاشرًا: يكرِم أهلَ أمهات المؤمنين:
ومما يدلُّ على إكرام وإحسان النبي صلى الله عليه وسلم لأصهاره، واحترامهم، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: وقعتْ جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس، أو ابن عم له فكاتبت على نفسها، وكانت امرأةً ملاحة تأخذها العين، قالت: عائشة رضي الله عنها فجاءت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابتها فلما قامت على الباب فرأيتُها كرهت مكانها وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرى منها مثل الذي رأيت فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث، وإنما كان من أمري ما لا يخفى عليك وإني وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، وإني كاتبت على نفسي فجئتك أسألك في كتابتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « فَهَلْ لَكِ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ؟ قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أُؤَدِّي عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ قَالَتْ: قَدْ فَعَلْتُ، قَالَتْ: فَتَسَامَعَ - تَعْنِي النَّاس - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ، فَأَرْسَلُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ السَّبْيِ، فَأَعْتَقُوهُمْ، وَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَا رَأَيْنَا امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا، أُعْتِقَ فِي سَبَبِهَا مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ»[7].
قال الواقدي: « يقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل صداقها عتق كل أسير من بني المصطلق، ويقال جعل صداقها عتق أربعين من قومها... فلم تبق امرأة من بني المصطلق إلا رجعت إلى قومها »[8].
كذلك وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر خيرًا، عن أبى ذر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا»[9].
فأما الرحم " فيكون هاجر أم إسماعيل عليه السلام أبى العرب منهم، وأما الصهر، فيكون مارية أم إبراهيم، ولد النبي صلى الله عليه وسلم منهم، قاله الزهري، وفى هذا الحديث أعلام من نبوته ثلاثة وجدت كلها، منها افتتاحها، ومنها إعطاء أهلها العهد، ودخولهم في الذمة" [10].
فمما ينبغي على الزوج أن يكرم أهل زوجته بما يرضيها، وأن يحسن إليهم، ويتأدب معهم، ويثني عليهم، ويبادلهم الزيارات وأن يدعوهم في المناسبات كل هذه الأمور وغيرها مداخل يخطف بها قلب الزوجة، ويفتح بها أبواب السعادة الزوجية.
وجملة القول:
♦ من أراد السعادة الزوجية ينبغي عليه أن يتق الله تعالى، ويتأسى بنبيه صلى الله عليه وسلم.
♦ ينبغي على الزوج أن يعتني بمظهره ونظافته وسمته ويتجمل لزوجته ويسامرها.
♦ أن يكون كريمًا مع أهل زوجته، يسمعهم الكلام الطيب، ويحفظ لهم المعروف فقد اختاروه من بين الشباب زوجًا لابنتهم.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يفقهنا في ديننا، وأن يبارك لي ولكم في أزواجنا وأولادنا أعمارنا وأعمالنا.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|