وصف علي بن أبي طالب للنبي صلى الله عليه وسلم
كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا نعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: لم يكن بالطويل المُمَّغِط المُمَّغِط: الشديد الطول. ولا القصير المتردد، المتردد: الذي تردد بعض خَلْقه على بعض، فاجتمع بدنه وتداخل قصرًا. وكان رِبْعة من القوم، ولم يكن بالجعد القطط، الجعد: في صفات الرجال، يكون مدحًا وذمًّا، فإذا كان مدحًا فمعناه: أن يكون شديد الأَسر والخلق، أو يكون جعد الشعر؛ لأن الجعودة تغلب على شعور العرب، والسبوطة - وهي ضد الجعودة - أكثرها في شعور العجم. وإذا كان الجعد ذمًّا، فهو القصير المتردد الخَلْق. وقد يطلق على البخيل، فيقال: هو جعد اليدين. والمراد به في هذا الحديث: الشَّعر. ولذلك أتبعه بالقطط، وهو المتناهي الجعودة، كشعر الزنوج. ولا السبط، أي: الذي لا جعودة فيه أصلاً؛ ولذلك أتبعه فقال: كان جعدًا رجلاً. كان جعدًا رجلاً، ولم يكن بالمطهم أي: المنتفخ الوجه. وقيل: الفاحش السِّمَن. وقيل: النحيف الجسم. وقيل: الطُّهْمة في اللون: أن تتجاوز سمرته إلى السواد. ولا المكلثم، المكلثم: المستدير الوجه، ولا يكون ذلك إلا مع كثرة اللحم. وقيل: هو القصير الحنك، الداني الجبهة مع الاستدارة. وكان أبيض مشربًا، المشرب من الألوان: الذي خالط بياضه حمرة، كأنه أُسْقيها فشربها. أدعج العينين، الدعج: شدَّة سواد العين مع سعتها. أهدب الأشفار، أي: طويل شعر الأجفان. جليل المشاش والكتد، المشاش: رؤوس العظام؛ كالمنكبين والمرفقين والركبتين. وقال الجوهري: المشاش: رؤوس العظام اللينة التي يمكن مضغها. والمراد الأول: أي إنه كان عظيم رؤوس العظام غليظها، وهو دليل القوة والشدة، والكتد: ما بين الأكتاف إلى الظهر. دقيق المسْرُبة، أجرد، شثن الكفين والقدمين، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صَبَب، وفي رواية: صَعَد. والصعد مثل الصبب. هكذا شرحه أبو موسى. والمعروف في الصعد أنه خلاف الصبب، ووجهه - إن صحت الرواية - أنه كان يمشي منحدرًا في موضع فيه صعودٌ وارتفاعٌ. وإذا التفت التفت معًا، بين كتفيه خاتم النبوة، وهو صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، أجود الناس كفًّا، وأرحب الناس صدرًا، وأصدق الناس لهجة، اللهجة: اللسان، ويعبر به عن الكلام والقول. وأوفى الناس ذمة، الذمة: العهد والأمان. وألينهم عريكة، العريكة: الخليقة والسجية. وأكرمهم عِشْرَة، العِشْرة: الصحبة. مَنْ رآه بديهة هابه، الهيبة: المخافة والإجلال. ومن خالطه أحبه، يقول ناعتُهُ: لم أرَ قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم.
وجاء في رواية أخرى: كان ضخم الرأس، عظيم العينين، كث اللحية، أزهر اللون، أبيض مشربًا بياضه حمرة، أسود الحدقة، لا قصير ولا طويل، وهو إلى الطول أقرب، ليس بالطويل البائن، الطويل البائن: الخارج عن الاعتدال. ولا الطويل المتثنِّي، الطويل المتثنِّي: المنعطف لشدة طوله. ولا القصير الفاحش، شعره إلى شحمة أذنه، عريض الجبهة، مفلج الثنايا، أسيل الخد، أي: قليل اللحم من غير نُتُوٍّ. على شفته السفلى خالٌ الخالُ: العلامة. كأن عنقه إبريق فضة، بعيد ما بين المنكبين، كأن كفه من لينها مس أرنب، كأن عَرَقَه اللؤلؤ، وإذا جاء مع القوم غمرهم، أي: علا عليهم. واشتهر من بينهم، وإذا ضحك تبسم، ليس بسخَّاب في الأسواق.
وَرُوِيَ في صفته عن جماعة من الصحابة غير عليٍّ رضي الله عنه، أنه صلى الله عليه وسلم كان أزهر اللون، ليس بالأبيض الأمهق، الأمهق: الذي لا يخالطه شيء من الحمرة، وليس بنير كلون الجصِّ، أي: كان نير البياض. شَبْح الذراعين، الشَّبْح: العريض. كانت في عينيه شُكْلة، الشُّكْلة: أن يخالط بياض العين حمرة يسيرة.
والشُّهلة: حمرة في سوادها. أسْجَر العينين، السُّجْرة: مثل الشكلة أو قريب منها. في خاصرتيه انفتاق، الانفتاق: الاسترخاء. أي: لم يكن منفتح الخاصرتين. مفاض البطن، المفاض: أن يكون فيه امتلاء، وهو عند العرب من علامات السُّؤْدَد. وقد وُصف في الحديث الآخر أنه خميص البطن، ووجه الجمع بينهما، أن يكون ضامرًا أعلى البطن مفاضًا أسفله. وافر السَّبَلة، السبلة: مقدَّم اللحية، وما انحدر منها على الصدر. وقيل: هي الشعرات التي تحت اللَّحْى الأسفل. وقال الجوهري: السَّبَلة: الشارب. أخضر الشَّمَط، الشَّمَط: الشيب. واخضراره من الطيب والدهن المروح المطيب بالمسك. أبيض مُقَصَّدًا، المقَصَّد: المعتدل الخَلْق، الذي ليس بجسيم ولا طويل ولا قصير. كأن خَلْقَه نُحي به القصد من الأمور، وهو العدل، فلا يميل إلى أحد طرفي التفريط أو الإفراط. لم يكن بعُطْبُول العُطْبول: الطويل. ولا قصير، أفلج الأسنان أشنبها، سهل الخدين صَلْتَهما، الصَّلْت: الأملس النقي. فَعْم الأوصال، الفَعْمُ: الممتلئ. والأوصال: الأعضاء. أكثر شيبة في فَوْديْ رأسه، فَوْدا رأسه: جانباه. والفَوْد أيضًا: معظم شعر الرأس. كان إذا رضي وسُرَّ كأن وجهه المرآة، وكأنَّ الجُدُر تُلاحِكُ وجهه، الملاحكة: شدة الملائمة والالتحام. والمعنى أن حيطان البيت تُرى في وجهه؛ لوضاءته ونوره، كما تُرى في المرآة. وكان فيه شيء من صَوَر، الصَّوَر: الميل. قال الخطَّابيُّ: يشبه أن تكون هذه الحال في مشيه إذا جدَّ به السير واستعجل. يبذُّ القوم إذا سارع إلى خير البَذُّ: السبق. أو مشى إليه، ويسوقهم إذا لم يسارع إلى شيء بمشية الهوينا الهوينا: التأني في المشي واللين. يريد أنه كان لا يسبق أصحابه إذا لم يسرع. وكان من أَزْمَتهم الزَّمْت: الثبات والوقار والرزانة. في المجلس.
القطرة الرابعة: وصف أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
لقي أبو بكر رضي الله عنه راهبًا، فقال له: صِفْ لي محمدًا كأني أنظر إليه، فإني رأيت صفته في التوارة والإنجيل. فقال رضي الله عنه: لم يكن حبيبي بالطويل البائن ولا بالقصير، فوق الرِّبْعَة، أبيض اللون مشرب بالحمرة، جعد ليس بالقطط، جمته إلى شحمة أذنه، صلت الجبين، واضح الخد، أدعج العينين، أقنى الأنف، مفلج الثنايا، وكأن عنقه إبريق فضة، وجهه كدارة القمر. فأسلم الراهب. (ربيع الأبرار 1/ 135).
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|