حديث: إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أحق ما أخذتُم عليه أجرًا كتاب الله))؛ أخرجه البخاري.
المفردات:
أحق؛ أي: أولى وأفضل.
أجرًا؛ أي: أجرة؛ يعني على الرقية به أو تعليمه.
كتاب الله؛ يعني: القرآن العظيم.
البحث:
هذا الحديث أورده البخاري في كتاب الطب من صحيحه، في باب: الشرط في الرقية بقطيع من الغنم، من طريق ابن أبي مُليكة، عن ابن عباس أن نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرُّوا بماء فيهم لَديغ أو سَليم، فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم مِن راقٍ؟ إن في الماء رجلًا لديغًا أو سليمًا، فانطلق رجلٌ منهم، فقرأ بفاتحة الكتاب - على شاءٍ - فبرأ، فجاء بالشاءِ إلى أصحابه فكرِهوا ذلك، وقالوا: أخذتَ على كتاب الله أجرًا؟ حتى قدِموا المدينة، فقالو: يا رسول الله، أخذ على كتاب الله أجرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله)).
وقد قال البخاري في باب: ما يعطي في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب: وقال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله))، وقال الشعبي: لا يَشترِط المعلم، إلا أن يُعطَى شيئًا فليقبَلْه، وقال الحكم: لم أسمع أحدًا كرِه أجر المعلِّم، وأعطى الحسن دراهم عشرة؛ اهـ.
وقد أورد البخاري في هذا الباب، ومسلم، من طريق أبي المتوكِّل عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال: انطلق نفرٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حيٍّ من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبَوا أن يُضيِّفوهم، فلدغ سيِّد ذلك الحي، فسَعَوا له بكل شيء، فقال بعضهم: لا ينفعه شيء، لو أتيتم هؤلاء الرهطِ الذين نزلوا، لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوهم، فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لُدِغ، وسَعَينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم، والله إني لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تُضيِّفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعلًا، فصالحوهم على قطيع مِن الغنم، فانطلق يتفُلُ عليه، ويقرأ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، فكأنما نشِط من عِقالٍ، فانطلق يمشي وما به قَلَبَة، قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا، فقدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له، فقال: ((وما يُدريك أنها رقية))، ثم قال: ((قد أصبتُم، اقسموا واضربوا لي معكم سهمًا))، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد أورده البخاري مختصرًا في كتاب الطب، في باب الرُّقَى بفاتحة الكتاب، قال: ويذكر عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ساق مِن طريق أبي المتوكِّل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناسًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتَوا على حيٍّ من أحياء العرب فلم يُقْرُوهم، فبينما هم كذلك إذ لُدغ سيد أولئك، فقالوا: هل معكم من دواء أو راقٍ؟ فقالوا: إنكم لم تُقْرُونا، ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جُعلًا، فجعلوا لهم قطيعًا من الشاءِ فجعل يقرأ بأُمِّ القرآن، ويجمع بُزاقه ويتفُلُ، فبرأ، فأتوا بالشاءِ، فقالوا: لا نأخذها حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه فضحِك، وقال: ((وما أدراك أنها رُقية؟ خذوها واضربوا لي بسهم)).
وقد روى البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأةٌ، فقالت: يا رسول الله، إني قد وهبتُ نفسي لك، فقامت قيامًا طويلًا، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، زوِّجنيها إن لم يكن لك بها حاجةٌ، فقال صلى الله عليه وسلم: ((هل عندك مِن شيء تصدقها إياه؟))، فقال: ما عندي إلا إزاري هذه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أعطيتَها إزارك جلستَ لا إزار لك، فالتمِس شيئًا))، فقال: ما أجد شيئًا، فقال: ((التمِسْ ولو خاتمًا من حديد، فالتمَس فلم يجد شيئًا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((هل معك من القرآن شيء؟))، فقال: نعم، سورة كذا وسورة كذا يسمِّيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قد زوَّجتُكها بما معك من القرآن)).
وفي رواية لمسلم: ((زوَّجتُكها، فعلِّمها من القرآن)).
وسيأتي مزيدُ بحثٍ لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه، عند الكلام على الحديث التاسع من كتاب النكاح إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
ما يستفاد من ذلك
1- جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن، ولا سيما عند الحاجة.
2- جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن دون أن يشترطَه المعلم، ولا سيما عند الحاجة.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|