تخوف بعض أئمة الكفر من الخروج لغزوة بدر
أمية بن خلف وقصته مع سعد بن معاذ:
روى البخاري في صحيحه من حديث عمرو بن ميمون، أنه سمع عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - حدث عن سعد بن معاذ، أنه قال: كان صديقاً لأمية بن خلف، وكان أمية إذا مر بالمدينة مر على سعد، وكان سعد إذا مر بمكة نزل على أمية، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة انطلق سعد معتمراً، فنزل على أمية بمكة، فقال لأمية: أنظرني ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت، فخرج به قريباً من نصف النهار، فلقيهما أبو جهل، فقال: يا أبا صفوان من هذا معك؟ فقال: هذا سعد. فقال له أبو جهل: ألا أراك تطوف بمكة آمنًا وقد آويتم الصباة، وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينوهم. أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالماً، فقال له سعد - ورفع صوته عليه -: أما والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ماهو أشد عليك منه: طريقك على المدينة. فقال له أمية: لا ترفع صوتك يا سعد على أبي الحكم سيد أهل الوادي. فقال سعد: دعنا عنك يا أمية، فوالله لقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنهم قاتلوك". قال: بمكة؟ قال: لا أدري، ففزع لذلك أمية فزعاً شديداً. فلما رجع أمية إلى أهله قال: يا أم صفوان، ألم تري ما قال لي سعد؟ قالت: وما قال لك؟ قال: زعم أن محمداً أخبرهم أنهم قاتلي. فقالت له: بمكة؟ قال: لا أدري. فقال أمية: والله لا أخرج من مكة، فلما كان يوم بدر استنفر أبو جهل الناس قال: أدركوا عيركم، فكره أمية أن يخرج، فأتاه أبو جهل فقال: يا أبا صفوان إنك متى ما يراك الناس قد تخلفت، وأنت سيد أهل الوادي تخلفوا معك، فلم يزل به أبو جهل حتى قال: أما إذ غلبتني فوالله لأشترين أجود بعير بمكة. ثم قال أمية: يا أم صفوان جهزيني. فقالت له: يا أبا صفوان، وقد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي؟ قال: لا، ما أريد أن أجوز معهم إلا قريباً. فلما خرج أمية أخذ لا يترك منزلاً إلا عقل بعيره، فلم يزل بذلك حتى قتله الله ببدر[1].
عقبة بن أبي معيط، وخوفه على نفسه من القتل:
روى أبو نعيم في الدلائل من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - أن أبا معيط كان يجلس مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة لا يؤذيه وكان رجلاً حليماً، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه، وكان لأبي معيط خليل غائب عنه بالشام، فقالت قريش: صبأ أبو معيط، وقدم خليله من الشام ليلاً، فقال لامرأته: ما فعل محمد مما كان عليه، فقالت: أشد مما كان أمراً، فقال: ما فعل خليلي أبو معيط، فقالت: صبأ، فبات بليلة سوء! فلما أصبح أتاه أبو معيط فحياه، فلم يرد عليه التحية، فقال: ما لك لا ترد علي تحيتي؟ فقال: كيف أرد عليك تحيتك وقد صبوت؟ فقال: أو قد فعلتها قريش؟ قال: فما يبرئ صدورهم إن أنا فعلت؟ قال: تأتيه في مجلسه، وتبزق في وجهه، وتشتمه بأخبث ما تعلمه من الشتم، ففعل، فلم يزد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن مسح وجهه من البزاق، ثم التفت إليه فقال: "إنوجدتك خارجاً من جبال مكةأضرب عنقك صبراً"، فلما كان يوم بدر وخرج أصحابه أبى أن يخرج، فقال له أصحابه: اخرج معنا. قال: قد وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجاً من جبال مكة أن يضرب عنقي صبراً. فقالوا: لك جمل أحمر لا يدرك فلو كانت الهزيمة طرت عليه، فخرج معهم، فلما هزم الله المشركين وحل به جمله في جدد من الأرض فأخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسيراً في سبعين من قريش، وقدم إليه أبو معيط فقال: تقتلني من بين هؤلاء. قال: "نعم بما بزقت في وجهي". فأنزل الله في أبي معيط: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ﴾ إلى قوله: ﴿ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً ﴾ [الفرقان: 27-29] [2].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|