فوائد من حديث: إنما الأعمال بالنيات
عن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ أَبي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّما الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى ، فَمَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ ورَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللهِ ورَسُولِهِ، ومَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيا يُصِيبُها أو امْرأةٍ يَنْكِحُها فَهِجْرَتُهُ إلى ما هَاجَرَ إليه"؛ رواهُ إمَامَا المُحَدِّثِينَ: أبُو عَبْدِاللهِ محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيمَ بن المُغِيرةِ بن بَرْدِزْبَهْ البُخَاريُّ، وأبُو الحُسَيْنِ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاج بن مُسْلمٍ القُشَيْرِيُّ النَّيسابُورِيُّ في صَحِيحَيْهما اللَّذَيْنِ هُما أَصَحُّ الْكُتُبِ المُصَنَّفَةِ.
ترجمة الراوي: هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبدالعزى القرشي العدوي رضي الله عنه ثاني الخلفاء الراشدين، وأول من لُقِّب بأمير المؤمنين على العموم، والذي كناه بأبي حفص النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى فيه من الشدة، ولد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة، أسلم في السنة السادسة من البعثة، وهو أول من جهر بالإسلام وأيَّد الله به دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، لمَّا قال: (اللهم أعزَّ الإسلام بأحب الرجلين إليك: عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام: أبو جهل)، بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، روى (539) حديثًا، وعاش ( 63 ) سنة، ومات شهيدًا بطعنة من أبي لؤلؤة المجوسي، وكان استشهاده ليلة الأربعاء لثلاث ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، ودُفن في الحجرة عند النبي صلى الله عليه وسلم، واستمرت خلافته عشر سنين وستة أشهر وخمس ليال.
أهمية الحديث:
إن هذا الحديث من الأحاديث المهمة التي عليها مدار الإسلام، فهو أصل في الدين وعليه تدور غالب أحكامه؛ قال الإمام أحمد والشافعي: يدخل في حديث: "إنما الأعمال بالنيات" ثلث العلم، وسبب ذلك أن كسب العبد يكون بقلبه ولسانه وجوارحه، فالنية بالقلب أحد الأقسام الثلاثة، وهذا الحديث يدخل في باب العبادات والمعاملات والأنكحة، وكلِّ أبواب الفقه.
[قال أبو عبدالله: "ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم أجمع وأغنى فائدة من هذا الحديث"، وقال الشافعي: "يدخل في سبعين بابًا من أبواب العلم"، ولأهميته ابتدأ به الإمام البخاري صحيحه، وبدأ به الإمام النووي في كتبه: الأذكار، ورياض الصالحين، والأربعين النووية.
مفردات الحديث:
• الحفص: الأسد، وأبو حفص: كنية لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.
• إنما: أداة حصر يؤتى بها للحصر.
• بالنيات: جمع نية: وهي عزم القلب على فعل الشيء.
• إلى الله: إلى محل رضاه نيةً وقصدًا.
• هجرته: الهجرة الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام.
• فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله: نية وقصدًا.
• فهجرته إلى الله ورسوله: قبولًا وثوابًا وجزاءً.
• لدنيا يصيبها: لغرض دنيوي يريد تحصيله.
سبب ورود الحديث:
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها: أم قيس، فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر، فهاجر، فتزوجها، فكنا نسميه: مهاجر أم قيس؛ [رواه الطبراني بإسناد رجاله ثقات]، قال الحافظ في "فتح الباري": قصة مهاجر أم قيس، رواها سعيد بن منصور والطبراني، لكن ليس فيه أن هذا الحديث سيق لأجله.
فوائد الحديث:
1- الأمور بمقاصدها، وأن من نوى عملًا صالحًا، فَمَنَعَهُ من القيام به عذر قاهر، من مرض أو وفاة، أو نحو ذلك، فإنه يثاب عليه.
2- الأعمال لا تصح بلا نية؛ لأن النية بلا عمل يُثاب عليها، والعمل بلا نية هباء، ومثال النية في العمل كالروح في الجسد، فلا بقاء للجسد بلا روح، ولا ظهور للروح في هذا العالم من غير تعلُّق بجسد.
3- يرشدنا إلى الإخلاص في العمل والعبادة؛ حتى نحصِّل الأجر والثواب في الآخرة، والتوفيق والفلاح في الدنيا.
4- أنَّ نية المؤمن تبلغ إلى حيث يبلغ العمل، وكل عمل مباح يصبح بالنية والإخلاص وابتغاء رضاء الله تعالى عبادة[1]، فاحرِص على تحسين النية والإخلاص لله تعالى.
5- الإنسان يُعطى على نيته ما لا يُعطى على عمله.
6- المميز بين العبادة والعادة هي النية.
7- ينبغي للمعلم أن يضرب الأمثال التي يتبين بها الحكم؛ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
8- في الحديث دليل على أنَّ النية من الإيمان.
9– يجب على المسلم قبل القدوم على العمل أن يعرف حكمه، هل هو مشروع أم لا، هل هو واجب أم مستحب؛ لأن في الحديث العمل يكون منتفيًا إذا خلا من النية المشروعة فيه.
10- قلت: أحكام النية:
1- أنشأ العمل للناس، وهذا حابط.
2- أنشأ العمل لله، ودخله الرياء، فله حالات:
أ- إن دفعه فلا يضر.
ب- إن قلب نيته فتبطل العبادة؛ وذلك فيما تعلَّق صلاح أوله بصلاح آخره، كالصلاة.
ج- إن زاد في العبادة، فأولها صحيح وما صاحبها باطل، وذلك فيما لا يتعلَّق صلاح أوله بصلاح آخره، كالصدقة.
3- أحبَّ المدح بعد العبادة، فذلك عاجل بشرى المؤمن.
11– قال النووي رحمه الله: كما أنَّ الرياء في العمل يكون في ترك العمل؛ قال القاضي بن عياض: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يُعافيك الله منهما.
12- أن الإخلاص شرط لقبول العمل، فالعمل لا يقبل إلا بشرطين:
الأول: أن يكون خالصًا؛ لحديث الباب: (وإنما لكل امرئ ما نوى...).
الثاني: أن يكون موافقًا للسنة؛ لحديث عائشة: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا، فهو رَدٌّ).
13- قال بعض العلماء:
حديث: (إنما الأعمال بالنيات) ميزان للأعمال الباطنــة، وحديث ( من أحدث في أمرنا...) ميزان للأعمال الظاهرة.
14- التحذير من فتنة النساء لقوله: ( أو امرأة.. )، وخصها بالذكر لشدة الافتتان بها؛ كما في الحديث: (فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)؛ رواه مسلم.
15- التحذير من السفر إلى بلاد الكفر.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|