أين مكان الصفّة في المسجد النبوي؟
روى البيهقي عن عثمان بن اليمان قال: لما كثرت المهاجرون بالمدينة ولم يكن لهم دار ولا مأوى أنزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، وسماهم أصحاب الصُّفَّة، فكان يجالسهم ويأنس بهم[1].
وروى ابن سعد في الطبقات عن يزيد بن عبدالله بن قسيط قال: "كان أهل الصُّفَّة ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا منازل لهم، فكانوا ينامون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ويظلُّون فيه، ما لهم مأوى غيره"[2].
ولا خلاف بأنها تقع في المسجد، ويظهر من أقوال نادرة بأنها كانت خارج المسجد، ولم أجد لها من خلال دراستنا ما يؤيدها.
أما تحديد موقع الصُّفَّة من المسجد، فكانت في البناء الأول للمسجد النبوي تقع في الجهة الشمالية من المسجد، مكان الظلة التي كان يصلي فيها المسلمون إلى بيت المقدس، ولما حُوِّلت القبلة إلى الكعبة كان لا بد من نقل الظلة التي أقيمتْ لِتَقي المصلِّين الحَرَّ والمطر من الجهة الشمالية إلى الجهة الجنوبية، بيد أن الحاجة إليها لإيواء الفقراء والمساكين أوجبتْ بقاءها، وإقامة أخرى في الجهة الجنوبية، فبقيت ظلة القبلة الأولى مكانًا لأهل الصُّفَّة، وأصبح للمسجد لأول مرة ظلتان، يتوسطهما صحن مكشوف[3].
يقول الحافظ الذهبيُّ: "كانت هذه القِبلة في شمالي المسجد، فلما حُوِّلت القبلة بقي حائط القبلة الأولى مكان أهل الصُّفَّة"[4].
وفي السنة السابعة للهجرة وبعد غزوة خيبر ضاق المسجدُ بالمصلين، فعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على زيادة مساحته[5].
وروى الترمذي والنسائي في قصة إشراف عثمان على الناس يوم الدار، عن ثمامة بن حزن القشيري أن عثمان رضي الله عنه قال: "أنشدكم بالله وبالإسلام، هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يشتري بقعة آل فلان، فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟" فاشتريتها من صلب مالي... الحديث"[6].
وقد تمَّت توسعة المسجد من ثلاث جهات، فزيد في المسجد من جهة الشرق عشرة أذرع، أو أسطوانة، ومن جهة الغرب عشرين ذراعًا، أو أسطوانتين، ومن جهة الشمال أربعين ذراعًا، أو أربع أسطوانات، فأصبح المسجد بعد توسعته مائة ذراع في مائة ذراع[7].
وقد ظهرت عدة أقوال في مكان الصُّفَّة في البناء الأول للمسجد النبوي (بعد التوسعة)، فقيل بأنها تقع في الركن الشمالي الغربي، والقول الثاني: تقع الصُّفَّة في الركن الشمالي الشرقي، وهي ظلة صغيرة، والقول الثالث: تقع الصُّفَّة في الجهة الشمالية، وتمتد ظلتها من الشرق إلى الغرب، والقول الرابع: أن "دكة الأغوات" هي مكان الصُّفَّة، وتقع الدكة شمال مقصورة الحجرة الشريفة، وعلى يمين الداخل من باب جبريل، وعلى يسار الداخل من باب النساء، ولا يخفى بُعد هذا القول؛ لأن هذا الموضع كان خارج المسجد من جهته الشرقية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو موازٍ لحجراته صلى الله عليه وسلم، وأول توسعة أدخلت الحجرات ومكان الدكة في المسجد كانت في عهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه سنة 91هـ[8].
ورجَّح الباحث محمود محمد حمو أن الصُّفَّة كانت تمتد على طول الحائط الشمالي من شرقي المسجد إلى غربيه، بصف واحد من الأساطين، وذلك للأسباب التالية:
1- أن كل من تكلم عن موقع الصُّفَّة حددها بالحائط الشمالي، أو مؤخرة المسجد، وحصْرها في أحد ركنيه الشرقي أو الغربي لا مسوغ له، خاصة أن عدد أهل الصُّفَّة في ازدياد.
2- أن الظُّلة في البناء الأول للمسجد كانت على امتداد الحائط الشمالي.
3- أن مساحة الظلة في أحد ركني المسجد لا يفي بالغرض الذي من أجله بنيت الظلة، فمساحتها في أحد الركنين تقدر بـ 125 مترًا مربعًا، وهي لا تكفي لإقامة مائة رجل، مع أن عددهم قد بلغ الأربعمائة في آن واحد.
4- أن جعل الظلة ثلاثة صفوف على امتداد الحائط الشمالي مساحة كبيرة لا حاجة لها، إذ إنها تساوي مساحة الظلة الجنوبية للمصلين، والتي هي المقصد الأول من إقامة المسجد[9].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|