مختصر تفسير القرآن تدبر وعمل لسورة البقرة (6-16)
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 6 - 16].
الوقفات التدبرية:
1- ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ﴾ [البقرة: 7] الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلَقتْها، وإذا أغلقتْها أتاها حينئذٍ الختمُ من قِبَلِ الله تعالى والطبع؛ فلا يكون للإيمان إليها مسلكٌ، ولا للكفر عنها مخلص، فذلك هو الختم والطبع الذي ذكَرَه في قوله تعالى: ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ﴾. [ابن كثير].
2- ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ﴾ [البقرة: 7] ذَكَرَ الموانع المانعة لهم من الإيمان، فقال: ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ﴾؛ أي: طبع عليها بطابع لا يدخلها الإيمانُ، ولا ينفذ فيها، فلا يعُون ما ينفعهم، ولا يسمعون ما يفيدهم، ﴿ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ﴾؛ أي: غشاء وغطاء وأكِنَّة تمنعها عن النظر الذي ينفعهم. وهذه طرق العلم والخير قد سُدَّتْ عليهم؛ فلا مطمع فيهم، ولا خير يرجى عندهم، وإنما مُنعوا ذلك وسُدَّت عنهم أبواب الإيمان بسبب كفرهم وجحودهم. [السعدي].
3- ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 8] لما تقدَّم وصف المؤمنين في صدر السورة بأربع آيات، ثم عَرَّفَ حال الكافرين بهاتين الآيتين، شرع تعالى في بيان حال المنافقين الذين يُظهِرون الإيمان ويُبطِنون الكفر، ولما كان أمرهم يشتبه على كثير من الناس؛ أطنَبَ في ذكرهم بصفات متعددة. [ابن كثير].
4- ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 8] نبه الله سبحانه على صفات المنافقين؛ لئلا يغترَّ بظاهر أمرهم المؤمنون؛ فيقع لذلك فسادٌ عريض من عدم الاحتراز منهم، ومن اعتقاد إيمانهم وهم كفار في نفس الأمر، وهذا من المحذورات الكبار. [ابن كثير].
5- ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة: 10] ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾؛ أي: بسكونهم إلى الدنيا وحبِّهم لها، وغفلتهم عن الآخرة وإعراضهم عنها. وقوله: ﴿ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ﴾؛ أي: وكَلهم إلى أنفسهم، وجمع عليهم هموم الدنيا؛ فلم يتفرغوا من ذلك إلى اهتمام بالدِّين. ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ بما يفنى عما يبقى. وقال الجنيد: علل القلوب من اتباع الهوى، كما أن علل الجوارح من مرض البدن. [القرطبي].
6- ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 16]؛ أي: رغبوا في الضلالة رغبةَ المشتري بالسلعة التي من رغبته فيها يبذل فيها الأثمانَ النفيسة، وهذا من أحسن الأمثلة؛ فإنه جعل الضلالة التي هي غاية الشر كالسلعة، وجعل الهدى الذي هو غاية الصلاح بمنزلة الثمن. [السعدي].
التوجيهات:
1- المعصية قد تكون سببًا لأنْ يختمَ الله على القلب فلا يستطيع الوصول إلى الحق، ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ﴾ [البقرة: 7].
2- فَصَّلَ الله أحوال الكافرين في آيتين، وأحوال المنافقين بثلاث عشرة آية؛ لأن خطر المنافقين أشدُّ من خطر الكافرين؛ فالمنافقون ينخدع بهم عوامُّ المسلمين، ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 11].
3- من صفات المنافقين احتقارُ الصالحين والتقليل من شأنهم، ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 13].
العمل بالآيات:
1- بيِّن لمن حولك الخطورةَ والأكاذيب ممن يزعمون أنهم يدافعون عن حقوق المرأة وهم يريدون تحرير الوصول إليها، ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 11، 12].
2- استعذ بالله من النفاق، ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 8].
3- ادعُ اليوم بأن يكفيَ الله الأمةَ شرَّ المنافقين، ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 11].
معاني الكلمات:
﴿ خَتَمَ اللَّهُ ﴾: طَبَعَ اللهُ.
﴿ غِشَاوَةٌ ﴾: غِطَاءٌ.
﴿ مَرَضٌ ﴾ شَكٌّ، وَنِفَاقٌ.
﴿ وَيَمُدُّهُمْ ﴾ يَزِيدُهُمْ، وَيُمْهِلُهُمْ.
﴿ يَعْمَهُونَ ﴾ يَتَحَيَّرُونَ، وَيَعْمَوْنَ عَنِ الرُّشْدِ.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|