إن الإسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها
قال أبو عبيد: في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الإسلام لَيَأرِز إلى المدينة كما تأرِز الحية إلى جحرها):[1]
قال الأصمعي: قوله "يأرز" ينضم إليها ويجتمع بعضه إلى بعض فيها.
وأنشدنا لرؤبة يذم رجلاً[2]: (الرجز)
فذاك بَخَّالٌ أَرُوْزُ الأرِزِ
يعني: أنه لا ينبسط للمعروف ولكنه ينضم بعضه إلى بعض.
قال الأصمعي عن أبي الأسود الدؤلي: إنه قال: إن فلاناً إذا سئل أرز، وإذا دعي اهتز أو قال: انتهز. قال: يعني إذا سئل المعروف تضام، وإذا دعى إلى طعام أو غيره مما يناله؛ اهتز لذلك. قال زهير[3]:
(الوافر)
بآرِزَة الفَقَارَةِ لم يَخُنْهَا ♦♦♦ قِطَافٌ في الرِّكابِ ولا خِلاءُ
والآرِزَة الناقة الشديدة المجتمع بعض فقارها إلى بعض.[4]
لم ينص أبو عبيد – كعادته - على الدلالة الأصلية للمادة اللغوية (أرز)، إلا أنه جمع بعض فروعها وفسرها في ضوء الدلالة الأصلية التي تفهم من خلال التفسير، وهذه الدلالة هي: (التجمع والانقباض مع الشدة).
وقد سبقه الخليل في تقرير هذه الدلالة، فقال: والأرز: شدة تلاحم وتلازم في كزازة وصلابة.[5]
يقول ابن فارس: الهمز والراء والزاء أصل واحد لا يُخْلف قياسه بتة، وهو التجمع والتضام.[6]
وقد جمع الشارح بعض فروع هذه المادة، وفسر دلالاتها في ضوء هذه الدلالة المذكورة، وهي:
أ) يأرز: يجتمع وينضم بعضه إلى بعض.
ب) أروز: أي: ضيق متشدد شُحًّا.[7]
ج) أرزة: الناقة الشديدة المجتمع بعضها إلى بعض.[8]
يقول الزمخشري: (إن الإسلام لَيِأْرزُ...) أي: تنضوي إليه وتنضم، ومنه الأَرُوز للبخيل المْنقَبض.[9]
ويمكن أن يضاف إلى ذلك ما يأتي:
أ) الأريز: يوم أريز: شديد البرد.[10] وذلك لأن البرد سبب في انضمام الإنسان واجتماع أعضائه بعضها إلى بعض.
ب) المأرز: الملجأ؛[11] لأن الإنسان يلجأ إليه وينضم ويجتمع.
ج) أريزة القوم: عميدهم؛[12] لأنهم يلجؤون إليه عند الملمات ويركنون إليه في المهمات.
وبناء على ما سبق، فقد تقرر تفسير دلالات فروع المادة (أرز) في ضوء الدلالة الأصلية المذكورة وهي (التجمع والانقباض مع الشدة)، لأنه قد توفر فيها جميعا هذا المكون الدلالي.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|