عطاء النساء (خيمة رفيدة)
يا له من بابٍ للخير منه دخَلَتْ، وفيه سبقَتْ وأعطَتْ، إلى البذل تاقتْ وفيه فاقت، ولعلها فازت بالقَبول؛ فقد عاوَنتْ جيشَ الرسول صلى الله عليه وسلم، ولها بقلوب المسلمين محبةٌ وحضور، فهل إلى قدرِها وصولٌ؟ رضي الله عنها، وجمعنا بهذا الرَّكب يوم يُحشرون إليه في وفد.
إنها (رفيدةُ الأسلمية)، تلك صفتها: عطاء وعونٌ؛ أما اسمُها فـ(كعيبة بنتُ سعدٍ الأنصارية)، بايعتْ بعد الهجرة، وغلبت صفتُها على اسمها، فاشتهرت بها.
ولم تكنْ رفيدةُ من حمَلةِ السلاحِ في جهاد الكافرين؛ لكنها كانت من حمَلة القلوبِ الرقيقة والمشاعر الحانية، بلسمًا لجراح المجاهدين أينما كانوا فهي طبيبةُ الجيوشِ.
وفي إثرِ بدرٍ "معركةِ الإسلام الأولى" أتت رفيدةُ لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم، أثارَها آلامُ المجاهدين وأنَّاتُهم؛ فنصبت خيمةً في ناحية منه، اشتهرت (بخيمة رفيدة)، عالجتْ فيها الجريحَ، وجبرت الكسير، داوتهم وأطعمتهم، وسقتْهم وقامت عليهم، حتى برَأت جراحُهم، والْتأمت كسورُهم، في خيمتها سكتت آهاتُ الوجعِ، وخفَتَ أنينُ الألم، وجفَّ نزيفُ الجراح؛ هكذا أجرى اللهُ على يديها الخيرَ، وكانت من جند الإسلام.
وبالمثل فعلتْ بعد أُحُدٍ؛ تضمدُ جراحَ المجاهدين، تعدُّهم لجهاد جديد، فإن كان الرجالُ بقوَّتهم حملوا السلاحَ، فرفيدةُ حملت بطبِّها الرجالَ؛ حتى قام كسيرُهم على قدميه، وتماثَلَ جريحهم للشفاء بفضل من الله، أصلحتْ من أجسادهم ما أفسدته رماحُ الكافرين وسيوفُهم، وهمُّها أن يعودوا صلابًا في ساحة المعركة يرفعون لواءَ الحق وكلمتَه؛ فلله درُّها، كم حازت من أجور!
وفي غزوة الخندقِ لما أُصيبَ سعد بنُ معاذ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اجعلوه في خيمةِ رفيدةَ؛ حتى أزورَه من قريب))؛ فداوته رفيدةُ، وعليه قامت.
وفي خيبرَ صار معها فِرقةٌ من نساء الصحابة دربتهنَّ على إسعاف من أصيب، ومداواةِ الجريحِ، وجبر الكسيرِ، وسقياهم وطعامهم، وتنتقلُ بمشفاها وفريقِها مع جيوش المسلمين، تلك (خيمة رفيدة)، وكتيبةُ النساء الطبيَّة بجيش المجاهدين الأولِ مع الرسولِ صلى الله عليه وسلم.
وفي كل ذلك تنفقُ من مالها؛ فقد كانت ذاتَ مالٍ وثروة وعلمٍ بالطب والتمريض، وقبل ذلك لها إيمان كبيرٌ، وقلبٌ حانٍ عطوفٌ، يرقُّ للأنينِ، ويبذلُ للنصر المبين، ولم نسمع منها اعتذارًا بالظروف أو بزَوج وبنين، فقد تاقت إلى الجنة، واختارت من أبواب الخيرِ ما أجادت فيه، وتسدُّ حاجةَ المسلمين إليه.
فما البابُ الذي نحسنُه أنا وأنتِ أختاه؛ حتى نحملَ - نحن - الرايةَ، ونكملَ المسيرةَ في عطاء النساء؛ لنلتقيَ بإذن اللهِ معهن في السماء؟ ومتى نكفُّ عن علل "الظروف والمشاغل"؛ هذا الداء الذي لا بد له من دواء؟
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|