أحداث غزوة بدر المباركة
حسبما ذكر ابن القيم في زاد المعاد، فإن أحداث غزوة بدر كما يلي:
1- تاريخ المعركة: يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان على رأس سبعة عشر شهرًا من الهجرة المباركة.
2- خبر العير: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر العير المقبلة من الشام لقريش بصحبة أبي سفيان، وكانوا أربعين رجلاً، وفيها أموال عظيمة لقريش.
3- خروج المسلمين: ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس للخروج إليها، وأمر من كان ظَهْرُه حاضرًا بالنهوض، فلم يحتفل لها احتفالاً بليغًا؛ لأنه خرج مسرعًا في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، لم يكن معهم من الخيل إلا فَرَسان، وكان معهم سبعون بعيرًا، يعتقب الرجل والثلاثة على البعير الواحد.
4- عمل فرق الاستطلاع: لما قرب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصفراء بعث بسيس بن عمرو الجهني وعدي بن الرعباء إلى بدر يتحسسان أخبار العير.
5- تحركات العدو: لما بلغ أبا سفيان مخرجُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقصده إياه، استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة مستصرخًا لقريش بالنفير إلى عيرهم ليمنعوه من محمد وأصحابه، وبلغ الصريخ أهل مكة، فنهضوا مسرعين، ولم يتخلف من أشرافهم سوى أبي لهب، فإنه عوَّض عنه رجلاً كان له عليه دَيْن، وحشدوا من حولهم من قبائل العرب وخرجوا من ديارهم؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [الأنفال: 47]، وأقبلوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بِحَدِّهم وحديدهم تُحَادُّ الله وتُحَادُّ رسوله، وجاؤوا على حَرْدٍ قادرين، وعلى حَمِيَّة وغضب وحَنَقٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجمعهم الله على غير الميعاد كما قال تعالى: ﴿ إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 42].
6- استشارة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه: فتكلم المهاجرون، فأحسنوا، ثم استشارهم ثانيًا، فتكلموا أيضًا فأحسنوا، ثم استشارهم ثالثًا، ففهمَتِ الأنصارُ أنه يَعنيهم، فبادر سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله، لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقًّا عليها ألاَّ تَنْصُرَك إلا في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار، وأجيب عنهم؛ فاظعن حيث شئت، وَصِلْ حَبْلَ من شِئْتَ، واقطع حبل مَنْ شِئْتَ، وخذ من أموالنا ما شئت، وما أخذْتَ منا كان أحبَّ إلينا مما تركتَ، فوالله لئن سرت بنا حتى تبلغ البرك من غمدان لَنَسِيرَنَّ مَعَك، ووالله لئن استعرَضْتَ بنا البحر خضناه معك، وقال المقداد: لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: ﴿ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾، ولكننا نقاتل عن يمينك وعن شمالك، ومن بين يديك ومن خلفك، فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سمع، وقال: سيروا وأبْشِروا؛ فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، وإني قد رأيت مصارع القوم.
7- التحرك إلى بدر واللقاء المقدر: سار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بدر، وخفض أبو سفيان ولحق بساحل البحر، ولما رأى أنه قد نجا وأحرز العير، كتب إلى قريش أنِ ارْجِعُوا، فإنكم إنما خرجتم لتُحْرِزوا عِيرَكم، فأتاهم الخبر وهم بالجُحفة، فهمُّوا بالرجوع، فقال أبو جهل: واللهِ لا نرجع حتى نَقْدَمَ بدرًا فنقيم بها ونُطْعِم من حضرنا من العرب، وتخافنا العرب بعد ذلك، فساروا وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل عِشاءً في مياه بدر، فقال: أشيروا عليَّ في المنزل، فقال الخباب بن المنذر: يا رسول الله، إن رأيت أن نسير إلى قُلُبٍ قد عرفناها كثيرة الماء العذبة فننزل عليها، ونسبق القوم إليها ونُغَوِّر ما سواها من المياه، وبعث عليًّا وسعدًا والزبير إلى بدر يلتمسون الخبر، فقدموا بعبدين لقريش، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أخْبِرَاني أين قريش؟)) قالا: وراء هذا الكثيب، فقال: ((كم القوم؟))، فقالا: لا علم لنا، فقال: ((كم ينحرون كل يوم؟))، قالا: يومًا عشرًا ويومًا تسعًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((القوم ما بين تسعمائة إلى الألف))، وأنزل الله في تلك الليلة مطرًا، فكان على المشركين وابلاً شديدًا منَعهم من التقدم، وكان على المسلمين طَلاًّ طهَّرَهم به، وأذهب عنهم رجس الشيطان، ووطَّأَ به الأرضَ وصلَّب به الرمل، وثبَّت الأقدام، وربط على قلوبهم، فسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى الماء، فنزلوا شطر الليل، وصنعوا الحياض، ثم غوَّروا ما عداها من المياه، وبُنِي لرسول صلى الله عليه وسلم عريشٌ يكون فيها على تَلٍّ مُشْرفٍ على المعركة، ومشى في موضع المعركة، وجعل يشير بيده: هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان إن شاء الله، فلما طلع المشركون وتراءى الجمعان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم هذه قريش، قد جاءت بخيلها وفخرها، جاءت تحاربُك وتُكَذِّب رسولك، فقام ورفع يديه، واستنصر ربَّهُ، وقال: اللهم أَنْجِز لي ما وعدتني، اللهم إني أَنْشُدك عهدك ووعدك، فالتزمه الصِّدِّيق رضي الله عنه من ورائه، وقال له: يا رسول الله، أبشر؛ فوالذي بعثك بالحق لَيُنْجِزَنَّ الله لك ما وعدك، واستنصر المسلمون الله واستغاثوا به وأخلصوا له وتضرعوا إليه، فأوحى الله إلى ملائكته أني معكم؛ قال تعالى: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ [الأنفال: 12]، وأوحى الله إلى رسوله: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9]، وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فلما أصبحوا أقبلَتْ قريش في كتائبها واصطَفَّ الفريقان.
8- المبارزة وبدء القتال: خرج عتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة يطلبون المبارزة، فخرج لهم ثلاثة من الأنصار، فقالوا: من أنتم؟ فقالوا: من الأنصار، قالوا: أَكْفَاءٌ كِرَام، وإنما نريد بني عمنا، فبرز إليهم عليٌّ وعبيدة بن الحارث وحمزة، فقتل عليٌّ قِرْنه الوليد، وقتل حمزة قِرْنه عُتْبة، وقيل: شَيْبة، واختلف عُبَيْدة وقِرْنه ضربتين، فَكَرَّ عليٌّ وحمزة على قِرْن عبيدة فقتلاه، واحتملا عبيدة، وقد قُطِعَت رِجله، ثم حَمِي الوطيس، واستدارت رحى الحرب، واشتد القتال، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعاء والابتهال، ومناشدة ربه عز وجل حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فرَدَّه عليه الصِّدِّيق رضي الله عنه، وقال: كفاك مناشدتُك ربَّك؛ فإنه مُنْجِزٌ ما وعدك، فأغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءةً واحدة، وأخذ القومَ النعاسُ في حال الحرب، ثم رفَع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه وقال: أبشر يا أبا بكر؛ هذا جبريل على ثناياه النقْعُ، وجاء النصر، وأنزل الله جنده، وأيَّد رسوله والمؤمنين، ومنحهم أكتافَ المشركين أسْرًا وقتلاً، فقتلوا منهم سبعين، وأسَروا سبعين[1].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|